تهدف التربية العلمية إلى مساعدة / الأستاذ على التمكن من الكفايات التربوية التي تتطلبها مهنة التدريس بشكل مخطط و منظم وهادف.
وبذلك فهي "تقدم خبرة مناسبة للمدرس و تساعده على اكتساب المهارات التدريسية و القيام بالعملية التعليمية التعلمية، تخطيطا و تنفيذا و تقويما و ذلك في ضوء توجيهات المشرفين.
و أيضا تتيح له الفرصة لتطبيق النظريات والمفاهيم التربوية تطبيقا عمليا، و تطوير مهارات التقويم الذاتي لديه" كما تمكنه من مادة الاختصاص، ومهارة تحضير الدروس بطريقة صحيحة، والقدرة على ربط المعلومات السابقة بالجديدة، ومهارة عرض الدرس بشكل مترابط، وصوغ الأسئلة واستخدامها بشكل صحيح، واستخدام الوسائل التعليمية وربط عناصر الدرس بخبرات الطلاب الحياتية، والقدرة على مراعاة الفروق بين الطلبة، واستخدام طرائق التدريس وإشراك الطلبة في عملية التعلم، ومهارات استخدام التعزيز والتقويم و إدارة الصف".
حيث يصبح مؤهلا نظريا وعمليا لممارسة التدريس.
حيث يصبح مؤهلا نظريا وعمليا لممارسة التدريس.
وتأهيل الأستاذ عمليا ومهنيا يفيد أنه أصبح واعيا بمجمل الأدوار المنوطة به قانونيا وأخلاقيا وإنسانيا و اجتماعيا ومهنيا، بل يصبح واعيا بتطور الأدوار مع ثورة المعرفة وعصر المعلومات والتكنولوجيا؛ والتي في ظلها لم يعد كما كان "قديما محددا للمادة الدراسية شارحا لمعلومات الكتاب المدرسي، منقيا الوسائل التعليمية، متخذا القرارات التربوية، وواضعا الاختبارات التقويمية، وإنما أصبح دوره يرتكز على تخطيط العملية التعليمية و تصميمها وإعدادها، علاوة على كونه مشرفا ومديرا ومرشدا و موجها ومقيما لها".
وعليه نجد الأستاذ معدا ومصمما ومخططا للأداء الصفي في التحاضير، التي تختزل تلك الأبعاد و المهام المهنية الموكولة إليه والمعلنة في الأدبيات التربوية، وهي مؤشر حقيقي على تمكنه من تلك الكفايات العليمة والمهنية المؤهلة.
وبذلك لم يعد ناقل معرفة أو قيم أو مهارات وقدرات و شارحا بل أصبح مبدعا وناقدا ز مؤسسا لها، وموظفا لها على المنهج الأصوب والدقيق لما يوجبه عليه تكوينه العملي. انطلاقا من هذه الأدوار لم يعد إعداد التحاضير / الجذاذات مغلقا على مرجع الأستاذ في المادة المدرسة وفي الديداكتيك المسطرة فيه، كأنه كتاب مقدس لا يمكن الخروج عنه، ولم يبق مع ثورة المعرفة والتطور العلمي والتفجر المعرفي، وفي ظل النظريات العلمية الحديثة القول بسلطة الكتاب المدرسي مستساغا ولا مقبولا إلا في حدود إعادة الإنتاج.
وهو أمر يتنافى مع أسس الفكر الإبداعي و النقدي.
واعتبارا للبعد العلمي والمهني للأستاذ وأدواره الجديدة في النظام التعليمي للقرن الواحد والعشرين، أصبح لزاما عليه بطريقة أو بأخرى أن ينخرط في مسلسل بناء الموارد البشرية من خلا ل التكوين الذاتي بعد التكوين الأساس والمستمر، مما يتطلب منه أن يمتلك ثلاثين كفاية حسب "أندري دوبروتي" André de PERETTI، لما لها من دور في تفعيل مها م المدرس في الحياة المدرسية.
ولما تحدده له من أدوار في المنظومة التربوية و التكوينية.
و انطلاقا من كونه منظما للأداء الصفي من ألفه إلى يائه؛ تكون التحاضير الوجه المعلن و الصريح عن ذلك التنظيم، لكونها تعبر عن قدرة التنظيم لديه في مستوى الفكر و الأداء، بل و انغماسه في الفعل التعليمي بكليته.
والكفايات المفترض التمكن منها من قبل المدرس، يتموضع إعداد التحاضير فيها موضع الناظم لها جميعا، كالنهر الذي فيه روافده ليشكل خزانا للمياه لا ينضب بل يسع الروافد كلها ويكبر عنها في السعة و العمق و التدفق.
مما يعني أن الموضوع إعداد التحاضير لا يزال موضوعا حساسا و جديرا بالمقاربة للكشف عن خباياه العلمية و ملابساته التطبيقية.
ولأجل ذلك نرى أن التحاضير مكون من مكونات الأداء الصفي، لا يستقيم إلا بوجودها و في ظلها كما سيتبين لاحقا.
لأنه درجة من درجات النقل الديداكتيكي يتم في مستوى المادة والمنهج و الأدوات، ينقل المادة المدرسة التي قررها المبرمجون ووضعها المؤلفون في كتبهم المدرسية إلى مادة قابلة للتدريس بل يحول هذه الأخيرة إلى مادة مدرسة فعلا في القسم أثناء العملية التعليمية / التعلمية.
ذلك أن موضوع "المعرفة حين يراد له أن يصبح موضوعا للتعليم فإنه يتعرض حينها لمجموعة من التحولات التكييفية التي تخلق له مكانا جديدا وسط مكونات الفعل التعليمي و تسمى عملية تحويل موضوع معرفة معدة للتعليم إلى موضوع قابل للتعليم بالنقل الديداكتيكي".
و في هذه اللحظة "يحضر العمل الديداكتيكي للمدرس الذي يأخذ عن الكتاب المدرسي، أو من تطبيقات مدرسين آخرين، و توصيات الطاقم التربوي، حسب كفاءات التلاميذ و الوسائل المتوفرة، و من قناعاته الشخصية".
و لهذا، فالتحاضير تشكل ركيزة أساسية في أداء الأستاذ. و منه نثيرها كقضية مدرسية تعني شريحة كبيرة من أهل التعليم وتذهب بهم مذاهب شتى، إلى حد "تراجع الوعي و اضمحلال الثقافة" عند بعضنا بأهمية التحاضير / الجذاذات.
و لكي نقف على حقائقها علميا ورمزيتها في الحقل التعليمي، نسوق أولا إشكالها:
1- الإشكال: يثير إعداد التحاضير (جذاذات الدروس) في الفعل التعليمي المغربي عامة، و في المؤسسة التعليمية الابتدائية خاصة سجالا حادا، وجدالا قويا يتحول في كثير من الأحيان إلى خلاف أعضاء هيئة التدريس أن الجذاذات فائض عن الحاجة، ومسألة شكلية وصورية لا تهم عمق بنية الدرس بل هي أتعاب و مشاق مضافة إلى جملة المشاق والأتعاب التي تتحملها هيئة التدريس، فضلا عن وجود كتاب المدرس الذي يتضمن تفاصيل و مفاصل الدرس.
والذي يبيت في ظله إعداد الجذاذات لا معنى له و مسوغ منطقي لوجوده.
والذي يبيت في ظله إعداد الجذاذات لا معنى له و مسوغ منطقي لوجوده.
ومن هذا المنطلق تجد من ينادي بحذف إعداد التحاضير / الجذاذات من مهام الأستاذ؛ في المقابل تجد من يصر على وجودها و يذهب أبعد من ذلك إلى التشبث بها شكلا ومضمونا.
وتشذ فئة أخرى في القول بالحياد وهو حياد غير مبرر عمليا، لأن المسألة تتعلق في الواقع بمكون من مكونات الأداء الصفي بل مكون من تقديم الدروس و بناء التعلمات ، فلا يصير معه القول بالحياد مطلقا.
من هذه الرأى تنبثق إشكالية إعداد التحاضير / الجذاذات في المؤسسة التربوية، و تأخذ بعدا موضوعيا، يرقيه البحث العلمي من الموضوع لاشيئي التي تعيشه هيئة التدريس في الابتدائي، سواء منها التدريس أو هيئة الإدارة التربوية أو هيئة التفتيش أو الإدارة الإقليمية أو الجهوية أو المركزية؛ لما له من حساسية ؛ تشكل في الغالب خيوط العلاقات المهنية بين هذه المكونات.
يفضي إلى "تنقيح الإشكال بتجريده من الشوائب وتحقيق أركانه، التي يتكون منها، وبيان الزائف مها من الصالح، حتى يتأكد في النهاية، من مكون هذا الإشكال حقيقيا لا وهميا؛ و ذلك بكون عوائقه مطردة على كل حال، قائمة في كل المظان".
2 - تجليات الاختلاف: إن إعداد الجذاذات الدروس تشوبه شوائب معرفية كثيرة؛ ترقي عند البعض إلى الاعتقاد بعلميتها و صدق طرحا بل و تبريرها. مما نجد مع الوهم مسوغات و أسباب واهية في حجيتها لا يعتد بها البحث العلمي، الذي يميز يبن الوقائع العلمية و الإدعاءات الوهمية.
ذلك "أن التمييز بين الوقائع و بين غيرها من الإدعاءات يتم على أساس نوعية الطرق التي اتبعت في إثباتها. فإن كانت موضوعية و مضبوطة بصورة تمكن الباحثين الآخرين من إعادتها و التحقق منها و ذلك بالوصول إلى نفس النتائج، اعتبرت الوقائع الثابتة عن هذا الطريق علمية و أضيفت على المعارف المتوفرة في الميدان المعرفي الذي تنتمي إليه . و أما إذا كانت تفتقد صفة الموضوعية و قابلية الإعادة و التمحيص فإننا نقول عنها إنها طرق غير علمية و ترفض بالتالي الواقع التي جاءت نتيجة إتباع تلك الطرق".
و من تجليات الاختلاف نقف على: يعتقد الكثير من رجال و نساء التعليم أن إعداد الجذاذات هو عمل فائض عن الحاجة لأسباب عدة منها:
1- كثرة المواد المدرسة، والتي تستوجب إعداد ست جذاذات غلى الأقل في اليوم الواحد.
وكلما كان القسم متعدد المستويات يكبر العدد و يتضخم ، و تصبح عملية الإعداد صعبة. وهذا دفع بدعوى الكم العددي.
وكلما كان القسم متعدد المستويات يكبر العدد و يتضخم ، و تصبح عملية الإعداد صعبة. وهذا دفع بدعوى الكم العددي.
2- وجود الكتاب المدرسي للأستاذ (المرجع) يلغي دعوة إعداد الجذاذات مادامت موجودة فيه بكل التفاصيل المنهجية و الموضوعية والأدواتية و العملانية. وبالتالي، يكون الإعداد مبتذلا وعير منطقي ولا موضوعي. وهو دفع بواقع وهمي كما سيتبين في مكانه.
3- إعداد الجذاذات يتخذ النسخ الآلي لما في مرجع الأستاذ، و منه لا مبرر للإعداد و يكفي الكتاب المدرسي نائبا عن الجذاذات في التدريس . فهو المرجع ، فلا داعي إلى تكراره بنسخه المتعددة، وهو دفع بواقع و اعتقاد وهميين لا يستقيمان مع المنطق العلمي.
4- تحجر بعض هيئة الإدارة التربوية و التفتيش التربوي في وجوب إعداد الجذاذات، وهو طلب لا مبرر له؛ خاصة أنهما يعلمان حال هيئة التدريس المعيشية وتعدد مسؤولياتها و بالأخص في العالم القروي.
و من باب التخفيف عليها، عدم المطالبة بإعداد الجذاذات لأنه غير منطقي في طل معيشة صعب بل والإعداد عملية مبتذلة نتيجة التحجر في الكتاب المدرسي. وهو دفع بمعيشة يومي قد يجد دعما إنسانيا في بعض حالاته الخاصة دون التعميم و الإطلاق.
5- شكلية الجذاذات لكونها لا تفيد في شيء، سواء وجدت أم لم توجد؛ وبالتالي فلا داعي إلى إعدادها ولا مسوغ لوجودها، وهي فائض عن حاجة المدرس، الشيء الذي يمكن للأستاذ أن يؤدي الدرس دون الاعتماد عليها؛ "فلا زال و نحن في سنة 2004 مطلوبا من المدرس أن ينجز الجذاذات، و يحرص على التطبيق الحرفي للحصص الدراسية، ويا ويله من تبطأ في ذلك، من عقاب المفتش الذي يتصيد تلك الفرص ليظهر أنه يقوم برسالة الحراسة التي أوكلت إليه. وبذلك تأخذ المسرحية بعدا دراماتيكيا".
كما أن "الوثائق، التحاضير، الكراسات، التصحيح، وغيرها من الأمور التي صارت جزءا من العادة. والعادة توأم الطبيعة".
وهي تجانب الصواب والبعد المنهجي والعلمي للجذاذة بل تنافي العمق الإبداعي للعملية التعليمية التعلمية ؛ و هذا دفع و همي باسم العادة أو الشكلية، وهي "محاولات التبسيط الزائد، لإضفاء وهم النظام الزائف، على حالة الفوضى المتفشية".
6- لا حاجة للأستاذ القديم في المهنة إلى هذه الجذاذات "لأنه هضم المواد التي يدرسها حيث يعتقد البعض "أن تحضير المعلم لهذه الدروس بعد هذه المدة (خمس سنوات فما فوق) يعتبر روتينيا مملا لا جدوى منه. وأن المعلم إذا باغت سنوات خبرته خمس سنوات فأكثر، لا يحتاج إلى مثل هذه التحاضير". وهي دعوى لا تصح مع مبدأ تطور و تجدد النظم التربوية ومع فيضان الحقل العلمي والانفجار المعرفي.
7- يرى البعض " أن المهمات الكبيرة و المسؤوليات و الأدوار الجليلة التي يؤديها المعلم تتطلب منه ضرورة تحليه بدافعية عالية للتربية و التعليم، و كفاية متقدمة تعنيه على أداء واجباته الصعبة و تحقيق أهدافه المناطة به، وهو ما يفتقده في كثير من الأحيان".
8- يرى البعض أن حال هيئة التدريس في إعداد الجذاذات حال رو تيني يكرر نفسه عبر السنوات، يدعو إلى الملل؛ ما يخلق في النفس تدمرا نحو إعداد الدروس؛ وهو حال لا يستقيم في الواقع مع طبيعة الفعل التعليمي الذي هو حال البحث والمطالعة و الدراسة و الاستزادة من العلم و المعرفة و الخبرة و التطبيق.
لذا قيل في هذه الحال النشطة شعرا: أنا لا أرى يوم المعلم واحدا كلا ولا يرضاه منا كيس بل كل يوم في الحقيقة يومه ما دام فيه طالب يتنفس و القراة الواعية والنقدية للجذاذة تفيد عدة دلالات، منها:
- دلالة موضوعية تتعلق بالمتن التعليمي، ودلالة منهجية تتعلق بالبعد الديداكتيكي.
- دلالة تربوية تتعلق بالقيم التربوية التي يحملها الإعداد بالنسبة للفعل التعليمي مهنة مقننة ومضبوطة بالمعايير العلمية.
- دلالة اجتماعية تتعلق بالعقد الديداكتيكي بين المتعلم والأستاذ وأخلاقياته وقيمته المستمدة من تراثنا الإسلامي، المحصن للفعل التعليمي من التشنج والتوتر والعنف، الحاث على الجد والإخلاص والتقوى في العمل.
- دلالة قانونية تتعلق بالترتيب القانوني والتشريعي الموجه في هذا الشأن.
ذ عبد العزيز قريش
التسميات
مدرس