رواة الأخبار والسير والقصص وأيام العرب.. الافتقار إلى العلم بالشعر وخصائصه ومذاهبه



رواة الأخبار والسير والقصص وأيام العرب:
وهؤلاء يفتقرون إلى العلم بالشعر وخصائصه ومذاهبه.
ففي حـديث ابن سلام عـن الشاعـر أبـي سفيان بن الحارث يثبت له شعــراً كان يقوله في الجاهلية فسقط ولم يصل إلينا منه الا القليل، ولسنا نعد ما يروي ابن اسحق له ولا لغيره شعراً، ولأن لا يكون لهم شعر أحسن من أن يكون ذاك لهم.

ومحمد بن اسحق هذا أحد رواة السيرة النبوية، وقد شنَّ عليه ابن سلام هجوماً عنيفاً لإفساده ما حمله من غث الشعر ومنحولة، وقد قال عنه ابن سلام: وكان ممن أفسد الشعر وهجَّنه وحمل كل غثاء منه محمد بن اسحق بن يسار... وكان من علماء الناس بالسير.. فنقل الناس عنه الأشعار وكان يعتذر منها ويقول: لا علم لي بالشعر، اتينا به فأحمله، ولم يكن ذلك له عذراً فكتب في السير أشعار الرجال الذين لم يقولوا شعـراً قط وأشعـار النساء فضلاً عن الـرجال، ثم جاوز ذلك عاد وثمود.

ويستدل ابن سلام الجمحي في الرد على محمد بن اسحق في شأن القصائد الشعرية الكثيرة التي وردت عن عاد وثمود، بالدليل النقلي، مستشهداً بآيات قرآنية كريمة تقرر وجهة نظره ويعجب عمن حمل هذا الشعر ومن أداه منذ آلاف السنين، والله تبارك وتعـالى يقول (فَقُطِعَ دَابرُ القَومِ الذينَ ظَلَموا)، أي لا بقية لهم، وقـال أيضاً (وَأَنَّـهُ أَهلَكَ عـاداً الأُولَى  *وَثَمُودَ فَمَا أَبقَى)، وقال في عاد: (فَهَل تَـرَى لَهُم مِـن بَاقِيَة)، وقال (وَقُرونَا بَينَ ذلكَ كَثيرَا).

ويتوهم ابن سلام دليلاً تاريخياً ليؤكد أنَّ لغة عاد وثمود لم تكن اللغة العربية، وهذا حق، غير أنَّ الدليل الذي يستدل به أمر يجافي طبيعة نشأة اللغة وتطورها إذ يؤكد أنَّ أول من تكلم بالعربية ونسي لسان أبيه إسماعيل ابن إبراهيم صلوات الله عليهما.

ويتكئ ابن سلام من ناحية أخرى على مقولة لأبي عمرو بن العلاء تؤكد أنَّ عربية حمير ليست بعربيتنا، فكيف بقصائد عاد وثمود التي تماثل قصائد شعراء العرب الجاهليين من حيث التراكيب والصيغ والأساليب، يقول ابن سلام: (وقال أبو عمرو ابن العلاء في ذلك: ما لسان حمير وأقاصي اليمن بلساننا ولا عربيتهم بعربيتنا، فكيف بما على عهد عاد وثمود مع تداعيه ووهيه).

ويعتمد ابن سلام من ناحية ثالثة على تصورات كانت شائعة في البيئة البصرية تؤكد قصر عمر الشعر الجاهلي، بحيث لا يمتد إلى أكثر من ثلاثمائة عام قبل الإسلام وكون الشعر في نشأته القصيرة هذه لا يعدو أنْ يكون سوى مقطوعات قصيرة، ثم طولت بعد هذا التاريخ، يقول ابن سلام: (ولم يكن لأوائل العرب من الشعر إلا الأبيات يقولها الرجل في حاجته، وإنما قُصّدتْ القصائد وطول الشعر على عهد عبد المطلب، وهاشم بن عبد مناف، وذلك يدل على اسقاط شعر عاد وثمود وحمير وتبع)، ويقول أيضاً إنَّ أول من قصد القصائد وذكر الوقائع المهلهل بن ربيعة التغلبي، في قـتل أخيـه كليب بن وائل.