عبقرية عمر بن الخطاب.. فلتة من فلتات التاريخ. البطل وحده لا يكفي لتوجيه مسار التاريخ الإنساني، فلا بد معه من وجود الأمة المؤهلة لتحقيق أطماع وأهداف هذا البطل



شهدت البشرية في تاريخها الطويل كثيرا من عظماء الرجال، الذين كان لهم أثر فعال في أحداث التاريخ الإنساني، بل زعم بعضهم أن أكبر الآثار في أحداث هذا التاريخ ترجع إلى هؤلاء العظماء.

وهذا ما حدا بالفيلسوف (توماس كارليل ) أن يضع نظريته في فلسفة التاريخ، يقول: "إن التاريخ العالمي- تاريخ ما أنجزه الإنسان في الإنسان في العالم - إنما هو في صحيحه تاريخ العظماء وما أنجزوه.

 إن كل ما تم إنجازه في العالم إنما هـو الحصيلة المادية الخارجية، والتحقيق العملي، والتجسيد الحي لأفكار عاشت فـي عقول عظماء عاشوا في هذا العالم, إنهم روح التاريخ العالمي كله". وهو ما عرف بنظرية البطل.

وقد استدرك عليه آخرون: بأن البطل وحده لا يكفي لتوجيه مسار التاريخ الإنساني، فلا بد معه من وجود الأمة المؤهلة لتحقيق أطماع وأهداف هذا البطل حتى يصل بالإنسانية إلى المراتب العليا في الرقي والتقدم الحضاري.

والجمع بين النظريتين هو منهج القرآن الكريم، وذلك أن قوم موسى عليه السلام وجدوا البطل الذي هو موسى عليه السلام ِولكن لم يوجد الشعب الذي  يحقق أهداف وغايات البطل، إذ لم يكونوا مؤهلين لذلك نفسيا ولا عقليا فكان ردهم له "فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا ها هنا قاعدون" المائدة : 24"  فرد موسى: "قال رب إني لا أملك إلا نفسي وأخي" المائدة: 25".

ولقد حقق الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم هذه الغايات المثلي، لأن البطل قد وجد الشعب الذي قال له إننا لا نقول لك كما قال بنو إسرايئل لموسى ولكن لو خضت بنا هذا البحر لخضناه معك.

هذا الشعب نفسه هو الذي وجده البطل عمر بن الخطاب رضي الله عنه وحقق له ما حقق من جلائل الأعمال وعظائم المعجزات. لقد شهد بذلك باب مدينة العلم كرم الله وجهه. قال له قائل: كان الخلفاء قبلك ولم تكن فتن، ثم جئت أنت فجاءت الفتن، لماذا؟
فقال له الإمام: لأنهم كانوا حكاما على أمثالي وأنا حاكم على أمثالك.

الناس يختلفون دائما في حكمهم على الرجل العظيم، فيقرظه بعضهم ويقدح فيه آخرون، وكلما ارتفع قدر العظيم تعاظم التقريظ وتطاول القدح، حتى يصل به المقرظون إلى أنصاف الآلهة - كما يقولون - ويهبط به الآخرون إلى درك المردة من الشياطين.
 
وهكذا كان الأمر مع ابن الخطاب رضي الله عنه، إذ وضعه بعضهم في مصاف الأنبياء أو قريبا من مصاف الأنبياء، مستشهدين في ذلك بقوله صلى الله عليه وسلم " لقد كان فيمن قبلكم محدثون فإن يكن في أمتي أحد فهو عمر" أو كما قال.

أما المنافقون والفسقة والكفرة  فيرمون ابن الخطاب بكل قبيح ومشين، معبرين عما أصاب نفوسهم من الخزي والخذلان من أفعاله العظام، وقد حمل الحاقدون من المستشرقين راية الهجوم على هذا الرجل العظيم.

وقد قرأت لأحدهم كلاما يقول فيه عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه: إنه أكبر استعماري ودكتاتوري عرفه التاريخ البشري منذ عهد ما قبل التاريخ إلى العصر الحاضر، فهو يضعه في درك أسوأ من فرعون وهامان ونمروذ وغيرهم من أصحاب الظلم والطغيان والجبروت. وكل ذلك دليل على عظمة هذا الرجل العظيم.

ومن الشواهد على عظمته أن أعظم حاكم في تاريخ البشرية من غير الرسل والأنبياء والصحابة كان يحاول الإقتداء به والسير على منهجه، وذلك هو عمر بن عبد العزيز الذي أطلق عليه بعضهم "الرجل المعجزة" لأن ما فعله يدخل في باب المعجزات، وقال آخرون إنه كان فلتة من فلتات التاريخ.

وقد ذكر المؤرخون إنه كتب إلى عالم من علماء زمانه يسأله عن سيرة ابن الخطاب كي يقتدي بها، فرد عليه ذلك العالم الخبير "لست كعمر وليس أصحابك كأصحاب عمر" مما يدل على أنه قد أدرك بثاقب فكره وعميق نظره  نظرية فلسفة التاريخ التي لم تظهر إلا في العصر الحديث.