ما هو مفهوم المدرسة؟.. المدرسة كمفهوم مجرد أو مرادف للنظام التربوي بالنسبة لوحدة سياسية معينة أو مشخص واقعي لأي كمؤسسة



مفهوم المدرسة:

المدرسة  باعتبارها مؤسسة اجتماعية  تعليمية  أنشئت لتحقيق أغراض اجتماعية، ولعل  الغالب في الأوساط الاجتماعية هو أن التلفظ بكلمة مدرسة أمام شخص، غالبا ما يتبادر إلى ذهنه بشكل  مباشر "المدرسة  الابتدائية" دون غيرها، وهذا هو التحديد الإجرائي الذي سنعتمده.
في حين أن الغالب هو أن هذا المفهوم أشمل من ذلك في الأدبيات التربوية، حيث تقسمها إزامبير جماتي في كتابها: «Sociologie in traité des sciences  pédagogique» إلى  ثلاثة  أقسام:

1- المدرسة كمفهوم مجرد: 

وهو المفهوم الذي نجده غالبا في التعاريف، كالقول المدرسة مجتمع صغير والمدرسة كمؤسسة اجتماعية تربوية حيث المعنى عام وشامل لكل مدرسة، فهو غير محدد بمجتمع أو بمدرسة بعينها، فمعنى المدرسة في هذا التحديد يعتبر قاسما مشتركا بين مختلف  المجتمعات.
  

2- المدرسة كمفهوم مرادف للنظام  التربوي بالنسبة لوحدة سياسية معينة:

وفي هذا التحديد  يتم تناول المدرسة كمؤسسة تربوية في علاقتها بالأنظمة السياسة والاجتماعية، وهذا هو التحديد الذي  انطلق  منه" بيير بورديو" حيث عرف المدرسة باعتبارها "النموذج الأساسي لتنميط  العلائق الاجتماعية والتحكم  في التراتبية  الطبقية" ونفس التعريف  يقدمه لها كل من "بودلو واستابلي" في مؤلفهما "المدرسة الرأسمالية في فرنسا".

ربط المؤسسات التعليمية بمحيطها:

وفي نفس الإطار يذهب "محمد الشرقاوي" إلى أن المدرسة هي المركز الذي له الامتياز حيث نربي ونكون علميا وايديولوجيا أجيال المستقبل" وبالتالي فهو يؤكد على ضرورة ربط المؤسسات التعليمية بمحيطها السيوسيو-سياسي والسوسيو-اقتصادي حيث كان الثوري الفرنسي "نابليون  بونابرت" يرى بأن المدرسة خلقت لتخدم الأغراض السياسية وكان يرى بأن  الهدف من وراء إنشاء المدارس هو إنشاء  جيل مشبع  بأفكار الثورة.
وبالتالي فالمدرسة تعد فاعلا أساسيا في التنشئة  السياسية.

الإيديولوجيا التربوية:

كذلك نذكر المساهمة السوسيولوجية الرائدة لكل من" بورديو وباسرون" في كتابيهما «la  reproduction» و«les héritiers» فهذه المساهمة أغنت الحقل السوسيولوجي عامة وسوسيولوجيا  التربية خاصة وذلك لأنها ركزت على طبيعة العلاقة بين المؤسسة التعليمية والنظام الاجتماعي السياسي، وانتهت هذه الإشكالية بربط النظام التعليمي بشروطه الطبقية وبالتالي  احتكاره من طرف طبقة مهيمنة وتكييفه لخدمة مصالحها الخاصة عبر ما يمكن نعته بـ"الإيديولوجيا التربوية"، كذلك اعتبرا أن مؤسسة التعليم  أداة  للصراع  الطبقي  تستخدمها  الطبقات  الحاكمة كوسيلة  لتدعيم وتثبيت النظام القائم  وذلك من خلال إعادة  الإنتاج  الاجتماعي.

نضال الجماعات الاجتماعية:

كما يرى اميل دوركايم أن المدرسة أداة للصراع الإيديولوجي، حيث أن المدرسة تعد وسيلة وموضوعا  لنضال الجماعات الاجتماعية وكأداة حقيقية  للسيطرة على النفوس لكنه يعود  ليؤكد على استقلالية هذه المؤسسة النسبية عن النظام  الاجتماعي - السياسي، بالإضافة إلى كل هذا نذكر مساهمة إيفان إليتش الذي اعتبر بأن التربية في المدارس هي تربية سياسية تحاول أن تصنع  أجيالا راضين بالنظام السياسي القائم وهذا ما جعله يدعو إلى الثورة على مؤسسات التعليم لأن  تواجد هذه الأخيرة لم يخضع  لإرادة الأغلبية الساحقة من الجماهير بل حركته إرادة نخبوية  بالأساس.

3- المدرسة كمفهوم مشخص واقعي لأي كمؤسسة:

إذا دل  التحديد الأول للمدرسة على معناها  المجرد وعمل التحديد الثاني على إبراز دلالتها  الثنائية أي كمؤسسة  تحمل  تجريدا  فإن هذا التحديد الثالث يركز على المدرسة كمؤسسة مشخصة أو معينة مثل المدرسة الإبتدائية، الإعدادية، الثانوية.. باعتبار أن هذه  المؤسسات مرتبطة  ببنية  التعليم.

ولعل بحثنا هذا سيتناول  المدرسة من هذا التحديد أي باعتبارها مؤسسة  واقعية يمكن ملاحظتها واختبارها كمجتمع مصغر في علاقتها بالاندماج  الثقافي كتيمة أولى ثم بالتنمية  كتيمة ثانية.

المدرسة كمجتمع  مصغر:

وإذا كانت الباحثة "ازامبير جاماتي" في عرضها للدراسات التي تناولت المدرسة قد  ميزتها  في محورين الأول خاص بدراسة المدرسة كمجتمع  مصغر- وهذا هو منهج  التقليد الدوركايمي، والثاني نظر إليها باعتبارها داخل مجتمع، فإن هذا البحث يتموقع بين ـ بين.

فالمدرسة كظاهرة اجتماعية لها خصائص الظاهرة الاجتماعية الأربعة كما حددها إيميل دوركهايم في مؤلفه "قواعد المنهج السوسيولوجي"، وبالتالي فدراستها تتم عبر دراسة مورفولوجيتها، أشكال التنظيم وأنماط  القيادة وعلاقته بحجم المؤسسة وأنماط  التسيير وبنية المدرسة ولكن في نفس الوقت فالمدرسة هي داخل  المجتمع تؤثر فيه وتتأثر به في علاقتها ببنياته ومؤسساته وفئاته (علاقتها بالأسرة، بالفئات  الاجتماعية، بالثقافات...).