التقنية عند هيدجر.. الحلم الديكارتي بجعل الإنسان سيدا عبر التقنية استحال إلى النقيض وحوله إلى عبد. خطر وفخ مخيف صنعه الإنسان بنفسه ثم سقط فيه



يؤكد هيدغر أن الإنسان لم يعد يسيطر على الآلة، بل أصبحت الآلة مهيمنة ومسيطرة عليه. وبالتالي فالحلم الديكارتي بجعل الإنسان سيدا عبر التقنية استحال إلى النقيض، أي حوله إلى عبد.

ولذا من حق التأمل الفلسفي المعاصر أن ينظر إلى التقنية بوصفها خطرا وفخا مخيفا صنعه الإنسان بنفسه ثم سقط فيه.

والمفارقة أن الإنسان الذي يعرف آليات وطرق صنع هذا الفخ لا يعرف طرق الخروج منه، إذ يستحيل عليه إرجاع الزمن إلى الوراء، ومحو المعرفة التقنية من العقل والواقع البشريين، بل أكثر من ذلك يبدو أن التقنية تتحرك وتتطور خارج إرادة الإنسان وسيطرته.

فهي ليست مجرد أداة يستخدمها كيفما يريد لأنها من حيث الماهية ليست مجرد أداة، بل هي نسق من المعرفة ومنظومة من الآليات التي تستبطن عوامل تطورها داخلها على نحو مستقل عن إرادة الإنسان.

ولذا عندما يبدع الكائن الإنساني تقنيات معينة، فإنه يخضع عندئذ للسائد التقني. فكل تقنية تولد ما يليها وتستخدم الإنسان لتقبل ذلك المولود الجديد.
ومن ثم فالأداة هنا هو الإنسان نفسه الذي أصبح خاضعا "لإرادة" التقنية.

ولقد تجلى هذا التطور خلال النصف الثاني من القرن 20م خاصة في سياق التنافس المحموم الذي حكم صراع الاتحاد السوفياتي بالولايات المتحدة أثناء عقود ما سمي "بالحرب الباردة"، حيث لاحظ الجانبان في النهاية أنهما سارا في طريق ملغوم لهما معا وللبشرية بأكملها.

ذلك أن أفق التطور أخذ يرسل إشارات محذرة بسبب استمرارهما في البحث عن مزيد من تقنيات الدمار الشامل، إذ وصلا إلى يقين بأن أي حرب بينهما يستخدم فيها هذا النوع من الأسلحة لن تنتهي بمنتصر ومهزوم، بل الهزيمة والدمار سيلحقان الجانبين معا، بل سيلحق الكرة الأرضية بأكملها، ولذا ارتفعت بإلحاح الدعوة إلى وقف التسلح النووي والحد من أسلحة الدمار الشامل.