الإجهاض في مدة الأربعين يوما.. الجنين في حال النطفة لم تخلق وإذا كان كذلك فإنه لا يبعث يوم القيامة، فإذا كان لا يبعث فإنه لا حرمة له فيجوز انتهاكه وإسقاطه



الإجهاض في مدة الأربعين:
هذا يسأل عنه كثير من الناس فتجد بعض الناس تلد زوجته وبعد فترة تحمل فتراه يريد إنزال هذا الحمل، أو أنه يتزوج ثم تحمل زوجته قريباً فيريد إنزال هذا الحمل في فترة الأربعين.

حكمه:
اختلف فيه العلماء على قولين:

القول الأول: أنه محرم ولا يجوز:
قال به مالك واختاره جمع من المحققين كابن رجب والعز بن عبد السلام وابن الجوزي وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وهو أيضا مذهب الظاهرية.

أدلتهم:
- منها: قوله تعالى ﴿وإذا الموؤدة سئلت. بأي ذنب قتلت﴾ ([1]).

والإجهاض في مرحلة النطفة يدخل في الوأد بدليل أن النبي -ص- سمى العزل - وهو أن ينزل الزوج خارج الفرج سماه - وأداً خفياً، مع أن هذه النطفة لم تستقر في الرحم فإذا استقرت في الرحم فمن باب أولى أن إنزالها داخل في الوأد.

- ومنها: حديث ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي (ص) قال: (إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما نطفة ثم يكون علقة مثل ذلك ثم يكون مضغة مثل ذلك...)، وجهه: أنه دل على أن الله عز وجل يجمع الخلق في الأربعين وفيها يبتدئ التخليق والتصوير إلا أنه تخليقا وتصويراً خفيا.

والأطباء يجمعون على القول بما ورد في هذا الحديث، وهذا من آيات النبي ص فإذا كان التخليق والتصوير وإن كان خفيا يكون في مدة الأربعين فإنه لا يجوز الاعتداء عليه وانتهاك حرمته.

- ومنها: أن إقامة الحد والقصاص واجب، وإذا ثبت أن هذه المرأة حامل فإنه لا يجوز إقامة الحد والقصاص عليها حتى تضع ما في بطنها ولو كان نطفة، فأُخر الحد الواجب والقصاص الواجب من أجل هذه النطفة، ولا يؤخر الواجب إلا لشيء محترم لا يجوز انتهاكه.

- ومنها: وهو من أقوى أدلتهم ما ذكره الأطباء في الوقت الحاضر من أن أدق مراحل خلق الإنسان هي مرحلة النطفة ففيها يبدأ تكوين الجنين وفيها تنتقل الموروثات والطبائع والصفات الخلقية، والحمل يتأثر في هذه المرحلة ما لا يتأثر في المراحل التي تليها، فإذا كانت هذه أدق مرحلة وفيها تتجلى عظمة الله عز وجل وإجلاله فكيف يجوز الاعتداء وانتهاك هذه الحرمة، مع أن في انتهاك هذه الحرمة مصادمة لما جاءت به الشريعة مما سلف أن ذكرنا من حفظ الضروريات والمصادمة لأهم مقاصد النكاح.

القول الثاني: أنه جائز ولا بأس به:
قال به أكثر أهل العلم من الحنفية والشافعية والحنابلة. 

أدلتهم:
- منها : قوله تعالى: ﴿يا أيها الناس إن كنتم في ريب من البعث فإنا خلقناكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة مخلقة وغير مخلقة﴾([2]) وجهه من قوله: ﴿مخلقة وغير مخلقة﴾ فدل ذلك على أن التخليق لا يكون إلا في مرحلة المضغة فمرحلة النطفة لا تخليق فيها، فإذا لم يكن فيها تخليق فلا حرمة لها ويجوز انتهاكها.

وأجيب عنه: بأن الآية لا يستلزم منها عدم وجود التخليق قبل المضغة في حال النطفة بل التخليق موجود لأن التخليق الذي دلت عليه النصوص ينقسم إلى قسمين:
- الأول: تخليق خفي وهذا دل عليه حديث ابن مسعود كما شهد له الأطباء.
- الثاني: تخليق ظاهر وهو الذي دلت عليه الآية.

ومنها: حديث جابر "كنا نعزل والقرآن ينزل" فالنبي (ص) أقرهم على العزل فدل ذلك على أن النطفة لا حرمة لها.

وأجيب: بالفرق بين الحالين فالعزل لم تستقر فيه النطفة في الرحم ولم يحصل لها تكوين أو تخليق بخلاف حال النطفة في الرحم فإنها مستقرة فيه في مكان مكين كما قال تعالى: ﴿ألم نخلقكم من ماء مهين. فجعلناه في قرار مكين﴾ ([3]) فإذا كانت في قرار مكين يعني؛ في مكان حافظ لما أودع فيه فإنه لا يجوز انتهاك هذا المكان المكين الذي حفظت فيه هذه النطفة.
ففرق بين مسألة العزل ومسألة استقرار النطفة في الرحم.

والقاعدة:
أن الدفع أهون من الرفع. فدفع النطفة والعزل أهون من إخراجها من مكانها الذي أودعت فيه.

ومنها: قولهم: إن الجنين في حال النطفة لم تخلق وإذا كان كذلك فإنه لا يبعث يوم القيامة، فإذا كان لا يبعث فإنه لا حرمة له فيجوز انتهاكه وإسقاطه.
وأجيب: بأن هذا استدلال بمحل النزاع، ونظر في مواجهة الأثر.

الترجيح:
على هذا يكون الأقرب في مثل هذه المسألة أنه لا يجوز إسقاط النطفة بغرض التخلص من الحمل أو خشية نفقات الولد أو تربيته أو التخفف من الأولاد ونحو ذلك.

وقد توصلت ندوة الأبحاث التي عقدت في الكويت عام 1403هـ إلى أنه لا يجوز إجهاض النطفة؛ لما سبق أن ذكر من الأدلة إلا في حال الضرورة القصوى.

وكذلك فتوى هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية عام 1407هـ: أن النطفة لا يجوز إجهاضها إلا إذا خشي على سلامة الأم كما سيأتي إن شاء الله تعالى.

([1]) سورة التكوير آية (8-9).
([2]) سورة الحج آية (5).
([3]) سورة المرسلات (20-21).