دراسة وتحليل نص الاجتماع الإنساني لابن خلدون



دراسة وتحليل نص الاجتماع الإنساني لابن خلدون:

المضمون:
إن الإنسان في إطار مجتمع بشري، يأخذ منه ويعطيه، ومهما حصل فلا بد من الاجتماع الإنساني، والدليل هو حاجة الإنسان إلى الغذاء، والدفاع عن النفس.

فإذا أراد الحصول على هذه الأشياء فها هو قد اختلط بالناس فلا فرار له من مخالطة المجتمع فحاجيّاته مرتبطة بالآخرين.

يعتبر ابن خلدون من أجود الكتّاب رغم أنه عاش في عصر الانحطاط، ويعود ذلك لميّزات أسلوبه في الكتابة وهي:
1- سهولة الالفاظ والابتعاد عن غريب الكلام.
2- الاهتمام بالمعنى أولاً وبالمبنى ثانياً.
3- أسلوبه في ابتكار معاني جديدة مثل: "الاجتماع الإنساني"، "الإنسان مدني بالطبع".
4- البعد عن الزخرفة اللّفظية إلا ما ورد منها عفو الخاطر.

الخلاصة:
إن من حكمة الله جعل الإنسان أن يكون في صلة دائمة مع المجتمع، حيث إن الانسان لا يستطيع أن يعيش بدون الاتصال بالمجتمع.

نص الاجتماع الإنساني لابن خلدون:
إن الاجتماع الإنساني ضروري، ويعبر الحكماء عن هذا بقولهم “الإنسان مدني بالطبع”، أي لا بد له من الاجتماع الذي هو المدنية في اصطلاحهم، وهو معنى العمران.

وبيانه أن الله  -سبحانه- خلق الإنسان وركبه على صورة لا يصح حياتها وبقاؤها إلا بالغذاء، وهداه إلى التماسه بفطرته وبما ركب فيه من القدرة على تحصيله.

إلا أن قدرة الواحد من البشر قاصرة عن  تحصيل حاجته من ذلك الغذاء غير موفية له بمادة حياته، ولو فرضنا منه أقل ما يمكن فرضه وهو قوت يوم من الحنطة مثلا فلا يحصل إلا بعلاج كثير من الطحن والعجن والطبخ. وكل واحد من هذه الأعمال الثلاثة يحتاج إلى مواعين وآلات لا تتم إلا بصناعات متعددة من حداد و نجار...

وكذلك يحتاج كل واحد منهم أيضا في الدفاع عن نفسه إلى الاستعانة بأبناء جنسه، لأن الله سبحانه لما ركب الطباع في الحيوانات كلها وقسّم القدر بينها، جعل حظوظ كثير من الحيوانات العجم من القدرة أكمل من حظ الإنسان.

فقدرة الفرس، مثلا، أعظم بكثير من قدرة  الإنسان، وكذا قدرة الحمار والثور، وقدرة الأسد والفيل أضعاف من قدرته. ولما كان العدوان طبيعيا في الحيوان جعل لكل واحد منها عضوا يختص بمدافعته ما يصل إليه من عادية غيره، وجعل للإنسان، عوضا من ذلك كله، الفكر واليد.

فاليد مهيئة للصنائع بخدمة الفكر، والصنائع تحصل له الآلات التي تنوب له عن الجوارح المعدة في سائر الحيوانات للدفاع مثل الرماح التي تنوب عن القرون الناطحة...

 ولابد في ذلك كله من التعاون عليه بأبناء جنسه، وما لم يكن هذا التعاون فلا يحصل له قوت ولا غذاء ولا تتم حياته، لما ركبه الله تعالى عليه من الحاجة إلى الغذاء في حياته، ولا يحصل له أيضا دفاع عن نفسه لفقدان السلاح، فيكون فريسة للحيوانات ويعاجله الهلاك...

فإذن هذا الاجتماع ضروري للنوع الإنساني وإلا لم يكمل وجودهم، وما أراده الله من اعتمار العالم بهم واستخلافه إياهم وهذا هو معنى العمران الذي جعلناه موضوعا لهذا العلم.
 
عبد الرحمن بن خلدون، المقدمة، تحقيق درويش الجويدي، المكتبة العصرية – بيروت، الطبعة الثانية 2000، ص: 46-47