نشأة البنوك الإسلامية.. الفرق الجوهري بين الفلسفة والرؤية الإسلامية والفلسفة والرؤية الرأسمالية في النظر للمال والعمل والضمان (المخاطرة) واستحقاق الربح



بدأ قيام النظام المصرفي التقليدي في بلداننا العربية و الإسلامية في أواخر القرن التاسع عشر، إلى أن نشأت المصارف الإسلامية في سبعينيات القرن الماضي، وانتشرت في العالم الإسلامي وغير الإسلامي بعد أن أثبتت نجاحها، فأصبحت المصارف الإسلامية إحدى مكونات المشهد الاقتصادي في العالم وانتهى الجدل الذي كان قائماً حول إمكانية وجودها أو استمرارها، وأصبحت بفضل الله عميقة الجذور وثابتة الخطى في التوسع الكمي عبر العالم، حيث بلغ عدد المؤسسات المصرفية الإسلامية حتى الآن 350 مؤسسة تقوم باستثمار 500  مليار دولار وهي تحقق نسبة نمو سنوية من 15- 20 بالمائة.

مع كل هذه الإنجازات المالية والاقتصادية الهامة، والإنجازات العلمية و الفكرية الأهم المتمثلة ببدء تكوين الشخصية الحضارية العصرية المستقلة لهذه الأمة، لا ينبغي لنا أن نعتقد بأننا قد وصلنا إلى القمة في تحقيق أهدافنا.

فما زلنا في بداية الطريق، والكثير من الصعوبات والمشاكل تواجهنا، ولا سيما في ابتكار أدوات تمويل جديدة مقبولة شرعاً و ممكنة التطبيق بشكل واسع، وتعكس عدالة هذا الدين الحنيف وتحقق جوهر مقاصده، حتى يشعر عامة المسلمين بخيرية هذا النهج ويتبنونه ويدافعون عنه، وحتى نحقق إجماعا أكبر من علماء الشريعة اللذين ما زال لدى بعضهم تحفظاً على بعض صيغ التمويل ولاسيما المرابحة المركبة للآمر بالشراء، وهي الصيغة الأكثر تطبيقاً الآن في كل المصارف الإسلامية، حيث تشكل ما نسبته 75% تقريباً من توظيفات المصارف.

في حين أن باقي صيغ التمويل مثل المشاركة والمضاربة والاستصناع والسلم تشكل باقي النسبة.
ويعلل القائمون على المصارف الإسلامية سبب ذلك بأن للمرابحة ميزات ليست موجودة في غيرها، مثل انتظام التدفق النقدي في المصرف.

وهذه الميزة تساعد الإدارة على رسم خطط العمل المستقبلي من خلال ضمان توافق الآجال، بالإضافة إلى أنها قليلة المخاطر ولا تحتاج إلى ضمانات شخصية بعكس الصيغ الأخرى.

لذلك فإن الصيغ الأخرى لا تطبق إلا في حالات خاصة وفي المشاريع الكبيرة، مع أن هذه الصيغ هي التي تعكس الفرق الجوهري بين الفلسفة والرؤية الإسلامية والفلسفة والرؤية الرأسمالية في النظر للمال والعمل والضمان (المخاطرة) واستحقاق الربح.

في حين أن المرابحة المركبة التي أفتت بجوازها المجامع الفقهية، كانت ضرورية لإقلاع عمل هذه المصارف ضمن بيئة اجتماعية واقتصادية وأخلاقية وقانونية صعبة.

ولكن الباحث يرى أن هذا لا يبرر للمصارف الإسلامية وبعد مرور هذه المدة اعتبار المرابحة قطب الرحى في العمل المصرفي الإسلامي لأنها في الحقيقة لا تعكس جوهر الفكر الإسلامي و حقيقة سموه، بكونه حوى كل مميزات الأنظمة الوضعية وزاد عليها، ولا عجب في ذلك فهو مستمد من كلام الله وهدي رسوله خاتم الأنبياء محمد صلى الله عليه و سلم.