حكم التورق المصرفي.. إضرار بنفس العميل فقد تزيد أسعار السلع ومع ذلك تكون من نصيب الشركات التي اتفق معها البنك



لما حدث التورق المصرفي اختلف فيه الفقهاء المعاصرون على قولين:

القول الأول: تحريم هذا البيع.

الدليل على ذلك:
استدل أصحاب هذا القول بأدلة كثيرة حتى إن كثيرا من الاقتصاديين الإسلاميين كتبوا مؤلفات في تحريم هذه العملية ومن أدلتهم:

1- حديث عبد الله بن عمرو ض أن النبي ص قال: (لا يحل سلف وبيع ولا شرطان في بيع) فقوله: (ولا شرطان في بيع).
قالوا: إن التورق المصرفي وجد فيه أكثر من شرط ففيه يشترط المشتري الذي هو العميل شروطا:

أ- توكيل المصرف في البيع فلو قال المصرف له: أنت تقوم بالبيع لم يقدم على هذه العملية.

ب- ألا يفسخ الوكالة .
ج- أن يشتري المشتري السلعة بأكثر من ثمنها مؤجلا يعني أن المصرف يشترط على المشتري: أنك تشتري هذه السلعة مؤجلة بأكثر من ثمنها حالة. فمثلا: المصرف اشترى هذا الحديد بخمسين ألفا يشترط على المشتري أن يشتريه بسبعين ألفا مؤجلة.

د- أن يبيعها المصرف بأقل من ثمنها نقدا.

وقد أجاب القائلون بالجواز ومنهم اللجنة الشرعية في البنك الأهلي التجاري، فقالوا: إن الشرطين اللذين نهى عنهما النبي ص هو بيع العينة كما ذكر ابن القيم، وعليه فهذه الشروط تكون جائزة وليست داخلة في الحديث.

وأجيب عن ذلك:
بأن هذا التورق المصرفي ملحق ببيع العينة - كما سيأتي - فإلحاق التورق المصرفي ببيع العينة أقرب من إلحاقه بالتورق الذي أجازه الفقهاء لأن الصورة في التورق المصرفي قريبة من الصورة في العينة، ففي العينة؛ السلعة عند البائع باعها بثمن مؤجل ثم اشتراها بثمن حاضر نقدا، فكذلك في التورق بالمصرفي، فالمصرف هو الذي يقوم بالعملية، فعنده السلعة يشتريها ثم بعد ذلك يبيعها على المشتري، ثم بعد ذلك يتوكل عن المشتري ببيعها على طرف ثالث، فيصبح دور العميل - كما أسلفنا - تحديد التمويل الذي يريد و التوقيع على أوراق ويأخذ الدراهم على أن تكون عليه بأكثر من ثمنها مؤجلة.

2- وهو من أهمها:
أن التورق المصرفي يواجه نقص أسعار السلع، فالبنك لِنَقُل: إنه يشتري السلع وأنه مالك لها. لكن لكي لا ينقص سعر السلع فيتضرر العميل يقوم البنك بالاتفاق مع شركات أخرى على أنه سيبيعها هذه السلع بكذا وكذا، اشترى السلع بمليون، ويتفق مع شركات أخرى على أنه سيبيعها هذه السلع بمليون.

فهنا تصرف في شيء لا يملكه، لكي لا تنزل أسعار هذه السلع فيكون محتفظا بقيم هذه السلع لأن هدف المتورق هو الحصول على الثمن فيأتي العميل، فيقول: أريد كذا وكذا من الحديد أو النحاس فيبيعه له، وقد اتفق البنك مع شركات أخرى في الأسواق العالمية لكي يضمن عدم نقص الأسعار، ثم يأخذ منه وكالة على أن يبيعها له بأقل من ثمنها نقدا. فباعها عليه بثمن مؤجل بأكثر مما اشترى به ثم يأخذ منه وكالة وقد اتفق مع شركات أخرى على أن يبيعها بكذا وكذا فيأخذ من الشركات ويحول ثمن هذه المعادن إلى حساب العميل.
وهذا يترتب عليه أمور كثيرة منها:

1- أن المصرف باع شيئا لا يملكه.

2- وأيضا يكون تصرف العميل في شيء غير موجود يعني صفقات اتفقت عليها هذه الشركات العالمية - كما ذكر بعض الاقتصاديين - في بيوت السمسرة وهذا الاتفاق هو البيع، والعقود راجعة إلى أعراف الناس ، فيكون عمل العميل في غير شيء إنما هو مجرد أوراق يختمها بحيث ينزل في حسابه كذا وكذا ويلزم بكذا وكذا من النقد.

وقد اتصلت بأحد المشتغلين باللجان الشرعية في البنك الأهلي فأخبرني بأنهم يجرون هذه الخطوة، يقومون بالاتفاق مع شركات أخرى لبيع هذه السلع.

القول الثاني: الجواز.

والدليل على ذلك أدلة منها:

1- قالوا: إن التورق أجازه الجمهور من أهل العلم وهذا نوع من التورق.
لكن هذا غير مسلَّم بل هو إلى العينة أقرب منه إلى التورق، لأن التورق الذي أجازه العلماء هو الذي يقبض السلعة فقد يبعها وقد ترتفع الأسعار فيبيعها بأكثر.

أما هنا فالمتورق محكوم ليس له أن يتصرف، يعني اشترى بخمسين ألفاً فعليه سبعون ألفا سواء زادت الأسعار وارتفعت أو لا، هذا ليس له دخل فيه لأن هذه السلع قد اتفق فيها مع شركات أخرى.

وفي هذا أيضا إضرار بنفس العميل فقد تزيد أسعار السلع ومع ذلك تكون من نصيب الشركات التي اتفق معها البنك.

2- أن الأصل في المعاملات الحل.

فيقال: صحيح أن الأصل في المعاملات الحل لكن هذه تبين تحريمها، ولهذا صدر قرار قبل أشهر من مجمع الفقه الإسلامي بتحريم مثل هذه المعاملة؛ التورق عن طريق المعادن.