دراسة وشرح وتحليل قصيدة واحر قلباه للمتنبي يخاطب سيف الدولة



دراسة وشرح وتحليل قصيدة واحر قلباه للمتنبي يخاطب سيف الدولة:

أهداف النص:
1- التعريف بالشاعر المتنبي.
2- التعريف بعلاقة المتنبي بسيف الدولة.
3- التعريف بشاعرية المتنبي.

أبو الطيب المتنبي من أشهر شعراء العرب في العصر العباسي، اشتهر المتنبي بالمديح، فقد طاف بلاد الإسلام فبدأ من العراق إلى بلاد الشام ثم إلى مصر ثم إلى الري مارا بالعراق، وكان يمدح الحكام والولاة والقواد.

غير أن أبرز مدائحه كانت في سيف الدولة الحمداني الذي رأس دولة الحمدانيين وكان مقرها حلب، واشتهر سيف الدولة بجهاده ضد الروم.

ولكن الحساد كادوا بين المتنبي وبين سيف الدولة، فغادر المتنبي حلب، ولكنه رغم ذلك لم ينقلب على سيف الدولة، بل كان يعاتبه ويظهر الرغبة في أن يعود ليكون من رعيته.

تميز شعر المتنبي بالقوة والرصانة، وهو الذي قال عنه القدماء: "ملأ الدنيا وشغل الناس".

ولشعره ميزتين بارزتين هما:
- إقحام المتنبي نفسه في القصائد التي يفترض- في قصائد المديح- أن توجه للممدوحين، وكان المتنبي معتدا بشخصه وبأدبه، ولم يكن يخفي ذلك حتى في القصائد التي يقولها في الولاة والقواد.

- والثانية تبرز في شعر المتنبي الحكمة، فقد كان بالفعل شاعرا حكيما، ولا تكاد تخلو قصيدة من بيت أو أكثر في الحكمة.

القصيدة:
هذه القصيدة (واحر قلباه) من قصائد العتاب الموجه إلى سيف الدولة وهو عتاب محب، ولعل مطلع القصيدة يدل على نفسية الشاعر المتعجب من حر قلبه، ومعلوم أن المحب إذا صادف إعراضا من محبوبه فإن التعبير عن الألم يتعلق دائما بالقلب.

ومع ذلك فقد مدح المتنبي سيف الدولة في أبرز صفاته: المجاهد المقاتل المنتصر.. وقد يكون بيت المتنبي التالي أبلغ بيت في العتاب، وفي تبرئة نفسه من كيد الكائدين وحسد الحاسدين:
يا أعدل الناس إلا في معاملتي فيك الخصام وأنت الخصم والحكم
ثم بعد ذلك نرى الشاعر يتحفنا بحكمة بالغة في قوله:
وما انتفاع أخي الدنيا بناظـره إذا ستوت عنده الأنوار والظلم

وبعده تأتي أبيات يفخر المتنبي فيها بنفسه شجاعة وأدبا، لعل من أبلغ هذه الأبيات وأشهرها قوله:
أنا الذي نظر الأعمى إلى أدبي وأسمعت كلماتي من به صمـم
أنام ملء جفوني عن شواردها ويسهر الخلق جراها ويختصـم
وقوله:
الخيل والليل والبيداء تعرفنـي والسيف والرمح والقرطاس والقلم

- لاحظ استهلال المتنبي بقوله: "واحر قلباه" ثم هذا العتاب والألم الذي يعتصر قلب المتنبي لحبه الصادق لسيف الدولة في حين يذكر أن حب الآخرين ادعاء وكذب.
- صور المتنبي شخصية سيف الدولة المجاهد الفارس المجتهد.
- أدخل المتنبي شخصه في مديحه لسيف الدولة.
- شهر المتنبي بقول الحكمة شعرا.
- تتضمن أشعار المتنبي القيم العربية.

1- أنا الذي نظر الأعمى إلى أدبي وأسمعت كلماتي من به صمم
أنام ملء جفوني عن شواردها ويسهر الخلق جراها ويختصم
بم يفخر الشاعر في هذين البيتين؟ وهل ترى أن وراء ذلك حالة نفسية معينة؟

- يفخر الشاعر في هذين البيتين بتفوقه الشعري المميز عن باقي الشعراء، والمميز هنا أن الشاعر يطرح ذلك بأسلوب غير مسبوق، ولعل الحالة النفسية التي تقف وراء هذا الفخر هي تفخم الذات لدى المتنبي من باب أنه يفوق بعلمه وأدائه خلقا كثيرا.

2- هات من أبيات المتنبي ما يدل على المضامين الآتية:
أ)- هزم أعداؤك بالرعب.
قد ناب عنك شديد الخوف واصطنعت لك المهابة ما لا تصنع البهم

ب)- أشكوك إلى نفسك.
يا أعدل الناس إلا في معاملتي فيك الخصام وأنت الخصم والحكم

ج)- أنا رب السيف والقلم.
الخيل والليل والبيداء تعرفني والسيف والرمح والقرطاس والقلم

د)- حبي يربو على كل من أحبك.
ما لي أكتم حبا قد برى جسـدي وتدعي حب سيف الدولة الأمم

قصيدة واحر قلباه كاملة:
واحرَّ قَلباهُ مِمَّن قَلبُهُ شَبِمُ
وَمَن بِجِسمي وَحالي عِندَهُ سَقَمُ
مالي أكَتِّمُ حُبّاً قَد بَرى جَسَدي
وتَدَّعي حبَّ سيفِ الدَولَةِ الأمَمُ
إن كانَ يَجمَعُنا حبٌّ لِغُرَّتِهِ
فليتَ أنَّا بِقَدْرِ الحبِّ نَقتسِمُ
قَد زُرتُهُ وسيوفُ الهندِ مُغمَدَةٌ
وقد نظرتُ إليه والسُيوفُ دَمُ
فَكانَ أحْسنَ خَلق الله كلِّهِمُ
وكانَ أحسنَ مافي الأحسَنِ الشِّيَمُ
فوتُ العدوِّ الذي يَمَّمْتُه ظَفَرٌ
في طيّه أسَفٌ في طيّه نِعَمُ
قد نابَ عنكَ شديدُ الخوفِ واصْطنَعَتْ
لكَ المهابةُ ما لا تَصنعُ البُهَمُ
ألزَمتَ نفسَكَ شيئاً ليس يَلْزَمُها
أن لا يوارِيَهمْ أَرضٌ ولا عَلَمُ
أكُلَّما رُمتَ جيشاً فانْثَنى هَرَباً
تَصرَّفَت بكَ في آثارِه الهِمَمُ
عليكَ هَزمُهُمُ في كلِّ مُعتركٍ
وما عليكَ بِهِمْ عارٌ إذا انهزَموا
أما تَرى ظَفراً حُلْواً سِوى ظَفَر
تَصافحَتْ فيه بيضُ الهِندِ واللمَمُ
يا أعدلَ الناسِ إلا في معامَلتي
فيكَ الخِصامُ وَأنتَ الخَصْمُ والحَكَمُ
أعيذُها نظراتٍ منكَ صادقةً
أن تَحْسبَ الشَّحمَ فيمَن شَحْمُهُ وَرَمُ
وما انتفاعُ أخي الدُّنيا بناظرِهِ
إذا استَوَت عندَهُ الأنوارُ والظُّلَمُ
سيَعلَمُ الجمعُ ممَّن ضمَّ مَجلسُنا
بأنَّني خيرُ مَن تسعى بهِ قَدَمُ
أنا الذي نظَر الأعمى إلى أدبي
وأسْمعَت كلماتي مَن بهِ صَمَمُ
أنامُ مِلْءَ جُفُوني عن شوارِدِها
ويَسْهَرُ الخلقُ جرَّاها وَيَختَصِمُ
وجاهلٍ مدَّه في جهلِهِ ضَحِكي
حَتّى أتَتْه يدٌ فرَّاسةٌ وفَمُ
إذا رأيتَ نيوبَ الليث بارزةً
فَلا تَظُنَّنَّ أنَّ اللَيثَ يبتَسِمُ
وَمُهجةٍ مُهجتي مِن هَمّ صاحبها
أدركْتُها بجَوادٍ ظهرهُ حَرَمُ
رِجلاه في الرَّكضِ رجلٌ واليدانِ يدٌ
وفعلُه ما تريدُ الكفُّ وَالقَدَمُ
ومُرهَفٍ سِرتُ بين الجَحْفَلينِ بهِ
حتى ضَربتُ وموجُ الموتِ يَلتَطِمُ
الخيلُ والليلُ والبيداءُ تَعْرِفُني
والسيفُ والرمحُ والقرطاسُ والقَلمُ
صَحِبتُ في الفلواتِ الوحشَ مُنفرِداً
حتى تعجَّبَ مني القُورُ والأكَمُ
يا مَن يَعِزُّ علينا أن نُفارقهم
وِجْدانُنا كل شيءٍ بعْدَكُم عَدَمُ
ما كان أخلقنا منكم بتَكرمَةٍ
لو أنَّ أمرَكُمُ مِن أمرِنا أمَمُ
إن كانَ سرَّكمُ ما قال حاسدُنا
فما لجُرح إذا أرضاكُمُ ألَمُ
وبيننا لَو رعيتُم ذاك مَعرفةٌ
إن المعارِفَ في أهلِ النُّهى ذِمَمُ
كَم تَطلُبونَ لنا عيباً فَيُعجِزُكُم
وَيَكرَهُ اللهُ ما تأتونَ والكَرَمُ
ما أبعدَ العيبَ وَالنقصانَ عن شَرَفي
أنا الثُّريا وذانِ الشيبُ والهَرَمُ
ليتَ الغمامَ الذي عندي صواعقُهُ
يُزيلُهُنَّ إِلى مَن عندَهُ الدِّيَمُ
أرى النَّوى يَقتضيني كلَّ مرحلَةٍ
لا تَستقلُّ بِها الوَخّادَةُ الرُّسُمُ
لئنْ تَرَكْنَ ضميراً عن ميامِنِنا
ليَحْدُثَنَّ لِمَنْ وَدَّعتُهم نَدَمُ
إذا ترحَّلتَ عن قومٍ وقد قدَروا
ألا تُفارِقهُمْ فالرَّاحلونَ هُمُ
شرُّ البلادِ مكانٌ لا صديقَ بهِ
وشرُّ ما يَكسِبُ الإنسانُ ما يَصِمُ
وشرُّ ما قنَّصَتْه راحتي قَنَصٌ
شُهْبُ البُزاةِ سواءٌ فيه والرَّخَمُ
بأي لفظٍ تَقولُ الشعرَ زِعْنِفَةٌ
تَجوزُ عندَك لا عُرْبٌ ولا عَجَمُ
هذا عتابُكَ إلّا أنَّهُ مِقَةٌ
قد ضُمِّنَ الدُرَّ إلّا أنَّهُ كَلِمُ