دراسة وشرح وتحليل قصيدة المساء للشاعر خليل مطران.. الأسلوب اللفظي. عاطفة الشاعر



دراسة وشرح وتحليل قصيدة المساء للشاعر خليل مطران:


داء ألمَّ فخلْتُ فيه شفائي من صبوتي فتضاعفت برحائي

ما معنى الصبوة؟ إنها شدة الشوق والحبّ والبرحاء: إنها اشتداد المرض.
تُرى هل يرتاح أحدنا للمرض يصيبه؟ كما فعل شاعرنا.
أجل يرتاح عندما يخيل إليه أنّ ألم الجسد سيخفف عنه ويسليه عن ألم القلب المكتوي بجوى الحب.
وهل صدق ظنّ الشاعر فارتاح؟
لا لم يرتح بل على العكس ازدادت آلامه باجتماع ألم الجسد وأوجاع القلب.
وإذا حاولنا شرحاً للبيت نجد:
أصاب المرض جسدي فظننت أن آلامه ستنسيني نار قلبي لكن هذا لم يحدث فبتَّ أعاني آلام الجسد وعذاب القلب فازدادت عليّ شدة الأيام.
سنعمل على إضاءة معنى البيتين الثاني والثالث موضحين استبداد القلب والجسد بالشاعر فلعلكم تقولون: إنّه يعاني في قلبه وفي جسده فماذا تبقى؟!
إن الشاعر له آماله وتطلعاته البعيدة، له روحه الوثابة ونفسه الطامحة فهل يستطيع إنسان أن يحقّق آماله ويصل إلى ماتسمو إليه روحه إذا كان ضعيف الجسم مشغوف الفؤاد، وأنتم تعرفون شرود المحبّ وقعود الهمة بالمريض؟!

إنّي أقمت ُ على التعلّة بالمنى في غُربةٍ قالوا: تكون دوائي

بماذا ننصح من كثرت عليه الهموم ؟ ننصحه بتغيير جوه المحيط به
ترى هل ارتاحت نفس الشاعر لهذه النصيحة؟ أجل فأخذ يأمل ان الابتعاد ينفعه.
إن معنى البيت كاملاً:
شعاع أمل براحة النفس مرّ بي عندما نُصحت بتغيير مايحيط بي من أجواء بأن أسافر.

شاكٍ إلى البحر اضطرابَ خواطري فيجيبني برياحه الهوجاء

مامعنى اضطرابَ الخواطر؟ إنها النفس عندما لاتعرف استقراراً ولايجد الهدوء سبيلاً إليها لشدة مايحيط بها من معاناة، أمّا وصف شاعرنا نفسه بالشاكي فلايصل أحدنا إلى الشكوى إلا عندما تزعزعه الأيام.
وإن أردنا المعنى التام فهو:
ها أنذا أقف أمام البحر بكل مافيه من روعة وجلال، أبثّه أشجاني و قلق نفسي، فاسمع في هدير أمواجه وعصف رياحه صدى توتر نفسي المعذبة.

ثاوٍ على صخرٍ أصمَّ وليت لي قلباً كهذي الصخرة الصماء

إن معنى ثوى : أقام ولطول جلوس الشاعر على الصخرة الصماء قبالة البحر استعمل كلمة ثاوٍ، لكن أيعقل أن يفرغ قلب الإنسان من العواطف والأحاسيس!؟ طبعاً لا، لذلك يستعمل الشاعر هنا (ليت) في تمنيه، وكلنّا نعلم أن ليت تفيد تمني مستحيل الوقوع فكيف يصبح معنى البيت؟
أما في البيت السابع حيث يقول متعجباً:

ياللغروب ومابه من عَبرةٍ للمستهام وعِبرةٍ للرائي

فكم يحسن استخدام الجناس الناقص بين العَبرة وهي الدمعة والعِبرة وعي العِظة!
لكن ما معنى المستهام؟ إننا عندما نردها إلى أصلها الثلاثي نجدها: هامَ: وأن يهيم الإنسان أي أن يفصله الحبّ عما حوله في كثير من ساعات حياته اليومية.
والهيام درجة متقدمة من الحبّ فهل من الغريب أن يصبح معنى البيت كاملاَ كمايلي:
كم يقف المحبّ المولّه أمام مشهد الغروب وسيطرته على النفس، فيثير فيه كوامن شجنه وتستدر دموعه، وكم ينظر إليه المتأمل فيستخلص منها دروساً وعبراً.
ولننتقل الآن إلى الشاعر وهو يصبغ الطبيعة من حوله بألوان نفسه المعذبة في البيت الثامن إذ يقول:

والشمس في شفقٍ يسيلُ نضارّهُ فوق العقيق على ذرا سوداء

ماالنُضار؟ إنه الذهب.
وما العقيق؟ إنه حجر كريم مائل اللون إلى الحمرة
حاول أن تقف ملياً أمام شلال من أشعة الشمس الذهبية الغاربة ينسكب على الغيوم ثم نشرح البيت بعد استحضار لون الغيوم والسماء أمام ناظريك ساعة الغروب.

مَرّت خلال غمامتين تحدّرا وتقطرت كالدمعة الحمراء

إننا لانستطيع أن نتابع قرص الشمس خلال ساعات النهار. لكننا نتابعها عندما تميل للغروب بتأمل شجيٍّ
أيضاً فلنستحضر منظر الغروب عند الشرح. ولنحاول استعارة أحزان الشاعر عندما رأى الشمس دمعة.
ودمعة من تراها تكون؟

فكأنّ آخر دمعة للكون قد مزجت بآخر أدمعي لرثائي

وكأننّي آنست يومي زائلاَ فرأيت في المرآة كيف مسائي

لنحاول أن نضيء بعض مافي البيتين: إن الدمعة هي دمعة الكون كلّه فلقد أحس بمعاناة الشاعر فبكى من أجله.
ولنتخيل الشمس الغاربة تقابل بلونها الأحمر نظرة الشاعر وتختلط أشعتها الحمراء بدموعه وإثر ذلك نسأل أنفسنا: أدموعه تذرفها عيونه أم ينزفها قلبه؟ ولنبنِ على غروب شمس يوم ما غروب الحياة فنعرف مايعيشه الشاعر من آلام.

الأفكار:

بعد أن شرحنا النص ننتقل إلى تحديد فِكره، مع أن تحديد فكر نصّ عزفَ الشاعر لحنه على أوتار قلبه المعنّى عمل غير مستحب إلا أننا نلجأ إليه تسهيلاً للدراسة.
  • معاناة الشاعر في قلبه وفي جسده في الأبيات 1- 2 - 3
  • شيء من الأمل في البيت الرابع
  • امتزاجه بالطبيعة وإحساسها بمايعانيه في الأبيات 5- 9 - 10
  • استسلامه لليأس والحزن في البيتين 6- 11
  • صورة الغروب من خلال معاناة الشاعر في البيتين 7 - 8

الأسلوب اللفظي: 

الألفاظ: 

ما قولنا في ألفاظ مثل: صبوة، برحاء، تعلّة، آنست؟ إنها ألفاظ تميل بشدة إلى أصالة اللغة وقديمها الدقيق جداً في قدرته على إبراز المعنى فألفاظه جاءت مشبعة بمشاعره وبمعانيه فعندما اضطربت نفسه جاءت الألفاظ مثل: شاكٍ، اضطراب، هوجاء، وإن سهلت الألفاظ فقد حافظت على فصاحة رائعة في مثل قوله: ثاو ٍ، .....، ......،

التراكيب:

لقد اعتمد التركيب العربي الأصيل في أسره وقوته وطاقته التعبيرية، ألا يذكرنا قوله:
(وكأنني آنست يومي.. بالآية الكريمة. (إني آنست ناراً) وكذلك قوله: إني أقمت..
وما أمتن استعماله اسم الفاعل العامل عمل فعله في قوله: (شاك اضطراب)!
- ترى ماحجم التركيب الذي يناسب بثه شجو نفسه في أكثر الأبيات مثل: 1 - 5 - 8
- وعندما يقول: داء ٌ ألمّ، إني أقمت، شاكٍ، ثاوٍ، وكأنني.. أتراه يخبر أم ينشئ؟
إنه يخبر ويؤكد الخبر.

عاطفة الشاعر:

- نوع العاطفة:

إنّ النصّ بوح نفسي خالص عن معاناة الشاعر وعدم استقرار نفسه وعذابات روحه فالعاطفة ذاتية.

- المشاعر:

  • إنّ الحزن يلفّ النصّ كلّه ومن التعسف أن نتتبع ذلك بالتفصيل، فالأبيات الثلاثة الأولى أظهرت معاناته التي ستترسخ حتى تصل به إلى التشاؤم واليأس في البيتين السادس والحادي عشر.
  • إن شيئاً من الشعور بالأمل والتفاؤل من خلال الاغتراب في البيت الرابع لايعني شيئاً وهذا يفسره عودته في البيت الخامس إلى شعور.. الذي توضحه الكلمة الاولى في البيت.
  • ماذا نسمي شعوره نحو الغروب إنه إعجاب بلا شك إنه غرق بسحر الغروب لكنه أغرق الغروب معه بدموعه وعذابات روحه في البيتين 7 - 8.