تطور القدرات الطاقوية للجزائر وضخامة الاستثمارات في قطاع البترول والغاز الطبيعي



تم اكتشاف النفط في الجزائر سنة  1956، وتم العثور على أول حقل للبترول في الصحراء الجزائرية و هو "حقل عجيلة" في جنوب شرق الجزائر.كما تم في شهر جوان من العام نفسه اكتشاف "حقل حاسي" مسعود الشهير ، أكبر حقول البترول في صحراء الجزائر، أي في مرحلة الاستعمار الفرنسي.ونظرا لثراء الصحراء الجزائرية بهذه الموارد جعلها تكتسي أهمية كبيرة حيث تبلغ مساحتها 2.171.800كلم2 ، وتبقى للشمال 357.580كلم2 فقط.
    و حسب أحدث التقديرات لوكالة الطاقة الدولية لسنة2006، يبلغ الاحتياطي النفطي الجزائري حوالي 11.4 مليار برميل2 ،بترتيب الخامس عشر احتياطي في العالم. لكن رغم أن الاحتياطات النفطية المؤكدة في الجزائر لا تضاهي احتياطات الشرق الأوسط ودول الخليج خاصة المملكة العربية السعودية، إلا أن المكانة التي تكسبها الجزائر في السوق الطاقوية العالمية يمكن إرجاعها إلى عدة أسباب أهمها:
1. أنها واحد من أهم مصادر النفط "الآمنة" البديلة عن تلك غير "الآمنة" في الشرق الأوسط.ومن بين أهم المناطق لتنويع الواردات النفطية مستقبلا.
2. تمثل الجزائر عضوا نشيطا ومنضبطا داخل منظمة الأوبك.خاصة في ظل الأهمية التي ستكتسبها هاته المنظمة أكثر في المستقبل المنظور.
3. هي بحكم موقعها الجيواستراتيجي قريبة من منابع النفط الإفريقية المهمة بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية، وسلامتها من سلامة هاته المصادر.
4. ضخامة الاحتياطيات الغاز في الجزائر، حيث تعد ثالث دولة مصدرة للغاز، الذي يرى فيه العديد من الخبراء أنه من أهم مصادر الطاقوية في المستقبل.
5.   المكانة الدولية التي تحتلها الشركة البترولية الجزائرية "سوناطراك" في السوق الدولية.
6. ضخامة الاستثمارات في مجال المحروقات، وهذا ما يفسر اهتمام الشركات النفطية العالمية، والأمريكية بالخصوص، بالإضافة كونه يخدم الإدارة الأمريكية الحالية المرتبطة بكبرى هذه الشركات (الجماعات النفطية).
7.   يكتسي قطاع المحروقات في الجزائر أهمية بالغة كونه مادة إستراتيجية يعتمد عليها الاقتصاد الوطني.
    ومن خلال هاته النقاط، سنتبع القدرات الطاقوية التي تمتلكها الجزائر، والتي أصبحت تجلب اهتمام كبرى الشركات النفطية العالمية، ليست الأمريكية فقط بل الروسية والصينية والأوروبية وغيرها، كسوق واعدة في المستقبل.
فالجزائر بصفتها قطب بترولي وغازي، فهي تمثل بذلك أحد أطراف السوق النفطية العالمية، وتعكس الإحصائيات التي قدمتها النشرية الدولية المتخصصة "ميدل ايست ايكونوميك سورفي" على موقعها الإلكتروني، والتي تعد أحد المراجع الأساسية لقراءة تطورات السوق النفطي الدولي، تطورا مستمرا خلال سنة 2005 لإنتاج النفط الجزائري.
و قد استفاد النفط الجزائري من عوامل عديدة ،من بينها ارتفاع الطلب على النفط الخفيف بالنظر لمحدودية قدرة المصافي الأمريكية على تلبية حاجيات السوق الأمريكي من المواد المشتقة و المواد البترولية،سواء البنزين صيفا أو وقود التدفئة شتاءا. كما لا تتوفر الدول المنتجة للنفط كنيجيريا وليبيا و فنزويلا على فوائض كبيرة على هذا النوع من النفط المطلوب بكثرة في السوق الدولية.في ذات السياق استفادت الجزائر عام 2006 من ارتفاع في العلاوات و الرسوم المفروضة على نوعيات النفط الخفيفة ، بما في ذلك "صحاري بلند" مقارنة ب"برنت" بحر الشمال.
وبلغت الطاقة الإنتاجية للنفط الجزائري 1.4 مليون برميل يوميا، وهو ما يمثل نمو بنسبة 6.5%، و وصل إلى 1.5مليون برميل يوميا في بداية 2005. وتعتزم الجزائر إنتاج 2 مليون برميل من النفط يوميا بحلول عام 2010، حيث تتوقع الزيادة في حجم الغاز المسال والطبيعي، الذي يعتبر منتوج المستقبل إلى 85 مليار متر مكعب بحلول 2010 إلى 100 مليار متر مكعب بحلول 2015. ويمكن أن تصل احتياطاتها النفطية إلى نحو 12.4 مليار برميل.
بالإضافة إلى ما سبق، فإن ارتفاع الإنتاج الجزائري من النفط سمح لها أيضا بتحسين المداخيل بصورة معتبرة من 32 مليار دولار، إلى أكثر من 41 مليار  دولار، أي بإضافة 9 مليارات دولار مقارنة بسنة 2005.
حسب دراسة لشركة بريطانية اسمها "فوغرو روبير ليميتد" ، فإن الجزائر من بين البلدان التي تحظى بتقدير 150مجموعة بترولية دولية،حيث صنفت في صدارة البلدان العشرة الأكثر تقديرا من الشركات البترولية الدولية حسب ما نقلته الصحيفة الفرنسية للطاقة "بيتروستراتيجي".مشيرة إلى وجود تقييم أفضل في مجال الخطر السياسي،و أضافت الصحيفة أن الشركة البريطانية الموجود مقرها ببريطانيا سألت حسب الدراسة التي نشرتها تحت عنوان "انترناشيونال نيو سورفاي"       150 مجموعة بترولية ،لتصل إلى أن الجزائر صمن أهم الدول التي تحظى بالتقدير نظرا لأهمية الإمكانيات البترولية و الغازية المحققة ،ونجاح عمليات التنقيب وتقييم محفز في مجال الخطر السياسي ، وكذا الحضور الكبير للمتعاملين الأجانب.
و مما يزيد الاهتمام الأمريكي بالجزائر، و بالأخص الجماعات النفطية داخل الولايات المتحدة الأمريكية،والتي تمثلها بقوة إدارة جورج ولكر بوش،خاصة نائب الرئيس "ديك تشيني"، هي كون أن الجزائر تعد حاليا ثالث دولة بعد السعودية وقطر من حيث الاستثمار النفطي ب21.4 مليار دولار ، و هذا ما يحفز صانع القرار الأمريكي في المضي قدما نحو توثيق العلاقات الأمريكية-الجزائرية،خاصة في ظل الإدارة الحالية المرتبطة مباشرة بالشركات النفطية الأمريكية، وتشاركها في توجيه السياسة الخارجية وفق مصالحها الذاتية و القومية قبل كل شيء.  
 وأهم المناطق الاحتياطية النفطية في الجزائر نجد:
1. حوض حاسي مسعود، وهو يمثل حوالي 60%من الاحتياطي المثبت، وأهم حقوله: حاسي مسعود، قاسي الطويل، "غورد الباقل".
2. حوض عين أميناس ،يبعد حوالي 1150كلم عن السواحل، إلا أن عمق الآبار البترولية أقل من حوض حاسي مسعود، أهم حقوله: "زارزاتين"، "إيجلي"، طين فوي، وتدل الدراسات على أن حوض "غدامس" الذي أكتشف حديثا، ويقع إلى الجنوب الشرقي من حاسي مسعود، ويحتوى على احتياطي كبير يقدر بـ 12 مليار طن من النفط.
3.   حول حاسي رمل: وينتج حوالي 180.000 برميل يوميا.
وفي تصريح الرئيس الجمهورية الجزائرية السيد عبد العزيز بوتفليقة، أمام مجموعة من رجال الأعمال الأمريكيين "بمؤسسة جيمس بيكر" بالولايات المتحدة الأمريكية ، قال:" علاوة على ما تم كشفه من احتياطات فإن الجزائر تتمتع بقدرات كامنة هائلة من المحروقات، وما زالت أحواضها الرسوبية الواسعة غير مستكشفة بما فيه الكفاية بكثافة تقل عن 8 آبار لكل 10.000 كلم2، بينما نجد أن هذه الكثافة على المستوى العالمي تتجاوز مائة بئر وتصل في الولايات المتحدة الأمريكية إلى أكثر من 500 بئر في كل 10.000 كلم2 " .
وحول مستقبل القطاع في الجزائر قال كذلك:"وقد تم اكتشاف حقول عملاقه تفوق قدرتها ما يعادل 10 ملايير برميل بترول، مما يؤكد مستقبل المجال المنجمي في الجزائر، وشملت الاستثمارات كذلك مشاريع لتحسين نسب الاسترجاع في حقول البترول، وتطوير حقول الغاز وهكذا فإن ما يقارب 5 ملايير دولار تم استثمارها في الجزائر من قبل الشركات البترولية".
مع الإشارة أن هناك مشاريع مهمة قيد التنفيذ في الدول العربية خصوصا السعودية و الإمارات وقطر ، بالإضافة إلىالجزائر وليبيا، حيث ستشمل أكثر من 50 مشروعا في المدى المتوسط حتى عام2010 في مجال توسعة الطاقة الإنتاجية،إلى جانب تطوير منصات التصدير والتحميل أنابيب النفط و الصناعات النفطية ، ويتوقع أن تصل الاستثمارات الكلية في هذه المشاريع إلى مابين 60 و 70 مليار دولار.مع إمكانية أن تؤدي هذه المشاريع الضخمة إلى ارتفاع الطاقة الإنتاجية للدول العربية من حوالي 20.7 مليون برميل يوميا بنهاية عام 2004 إلى 26.8 مليون برميل يوميا عام2010.لهذا لابد للإدارة الأمريكية أن تضمن رسو هذه العقود على شركاتها النفطية و الغازية خدمة للمصالح الحيوية للولايات المتحدة الأمريكية ، ولمصالحها الشخصية نظرا للارتباط الوثيق بها.
وتفيد الإحصائيات الخاصة بصادرات المحروقات الجزائرية بأن مبيعات الغاز تمثل نسبة  40%  من العائدات المتأتية من المحروقات، مقابل نسبة 35 % للبترول، فيما مشتقات البترول ما نسبته 35 %، وبطريقة حسابية بسيطة فإن الجزائر تحقق من مجموع 52 مليار دولار عائدات المحروقات للسنة ما قيمته 20.8 مليار دولار من صادرات الغاز، فيما تصل العائدات المتأتية من تصدير البترول الخام 18.2 مليار دولار، والباقي عبارة عن صادرات مشتقات النفط.
هاته المعطيات الإحصائية تدفعنا إلى التطرق إلى ورقة الغاز وهي من الأوراق المهمة التي يمكن أن تزيد من الركيزة الجيواستراتيجية للجزائر في المنطقة، وهو مجال اهتمام الشركات النفطية والغازية العالمية بما في ذلك الأمريكية منها، حيث تحتل الجزائر ثاني منتج للغاز الطبيعي في إفريقيا بعد نيجيريا، وهي ثالث منتج للغاز عالميا. وبلغ احتياطها حوالي 161 تريليون متر مكعب ووصل إنتاجها في سنة 2004 إلى 82 مليار متر مكعب، وأهمية الغاز الطبيعي تمكن في نسبة المعتمدة عليها عالميا في استخدامه لإنتاج الكهربائي حيث تصل إلى 30 %،ويرشح ليحتل الصدارة في التصدير.
إن الثقل الإستراتيجي الهام الذي تتمتع به الجزائر، يرجع أساسا إلى عدة بواعث ميزتها عن سائر الدول الغازية وهي:
1. العمر الافتراضي لاحتياطات الجزائر من الغاز والذي يفوق عمر النفط الممكن لاستخراجه نحو 20 سنة.
2. القدرات الكامنة لحقوق الغاز الجزائرية .
3. والأهم من ذلك كله أن للجزائر هامش اختيار أوسع للشراكة الأجنبية في مجال الغاز مقارنة بقطاع النفط(الإيطالية،الفرنسية،الروسية..). بسبب احتكار الشركات الأجنبية ولاسيما الأمريكية لعقود الاستكشاف والاستغلال.
وتعكف الجزائر على الرفع من قدرات تصديرها لأوروبا والولايات المتحدة، من خلال إقامة أنبوبي " ميد غاز" و "غالسي". الأول باتجاه اسبانيا حيث ينطلق من بين صاف إلى ألمانيا، والثاني اتجاه ايطاليا  مرورا بجزيرة سردينيا وسيزور الأنبوب الأول فرنسا أيضا، فيما يرتقب أن يزود الثاني عددا من دول أوربا الوسطى والشرقية .
هذه العوامل من شأنها أن تدعم سياسة "سوناطراك"، التي تنوي رفع سقف الصادرات الغازية إلى 85 مليار متر مكعب ثم 100 مليار متر مكعب . مع الإشارة أن شركة "سوناطراك" هي إحدى أكبر الشركات النفطية في العالم، وهي ليست القوة المحركة للاقتصاد الجزائري فحسب بل تحتل المرتبة الأولى بين الشركات الإفريقية دون منازع، والمرتبة الثانية عشر بين الشركات النفطية العالمية، والمرتبة الثانية بين الشركات العالمية المصدرة للغاز النفطي السائل، والمرتبة الثالثة بين الشركات العالمية المصدرة للغاز الطبيعي، بل هي أيضا مرشحة للعب دور رئيسي في السوق الدولية للطاقة.
كل هاته المقدرات الطاقوية أخذت بعين الاعتبار في الإستراتيجية الطاقوية الجديدة لإدارة جورج والكر بوش، من خلال "تقرير ديك تشيني" الذي يشير لأكثر من مرة لدور الجزائر وإمكانية توسع دورها في إطار سياسة تنويع المصادر النفطية الآمنة على منطقة الشرق الأوسط.