مشروع معاهدة بورتسموث ووثبة كانون الثاني 1948.. الدفاع المشترك في منطقة الشرق الأوسط والمساهمة في الحرب الباردة بين الكتلتين السوفيتية والغربية



مشروع معاهدة بورتسموث ووثبة كانون الثاني 1948:

رأى الشعب العراقي بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية وتأسيس هيئة الأمم المتحدة أن المعاهدة العراقية - البريطانية لعام 1930 قد استنفذت أغراضها وأصبحت غير ذات موضوع وأن العلاقات بين العراق وبريطانيا يجب أن تكون وفقاً لأحكام ميثاق الأمم المتحدة باعتبار الدولتين عضوين متساويين في الحقوق والواجبات، وقد وافقت الطبقة الحاكمة في العراق الخاضعة للاستعمار البريطاني على الخطة البريطانية الامريكية في موضوع الدفاع المشترك في منطقة الشرق الأوسط والمساهمة في الحرب الباردة بين الكتلتين السوفيتية والغربية.

دارت مفاوضات بين الجانبين العراقي والبريطاني في بغداد ولندن خلال المدة الممتدة ما بين (8/ آذار 1947 - 4 كانون الثاني 1948) وانتهت بتوقيع معاهدة جديدة في ميناء بورتسموث البريطاني في 15/ كانون الثاني 1948، وسميت شعبياً معاهدة بورتسموث.

- الوثبة:

عارضت الأحزاب العراقية المعارضة أية معاهدة وأصدرت بياناتها ضد المعاهدة في الأيام التالية وأعلن طلاب المعاهد العالية الإضراب عن الدراسة والقيام بمظاهرات وكان رئيس الوزراء في لندن ولذلك أذاع نائب رئيس الوزراء في بغداد بياناً يمنع المظاهرات والاضرابات وعزم الحكومة على قمعها بشدة وقد اعتبرت الأحزاب والطلاب ذلك البيان استفزازياً، فتجددت المظاهرات والإضرابات وشارك فيها العمال أيضاً. استعملت الشرطة القوة وأطلقت الرصاص على المتظاهرين.

توطيد دعائم الصداقة بين العراق وبريطانيا:

دعا الوصي عبد الإله في 28 كانون الثاني 1948، رؤساء الوزارات السابقين ونائب رئيس مجلس الأعيان ونائب رئيس مجلس النواب وممثلي الأحزاب السياسية وقد اجتمعوا في البلاط الملكي بحضور هيئة الوزارة وقد أجمعت آراؤهم على أن المعاهدة الجديدة لا تحقق أماني البلاد وليست أداة صالحة لتوطيد دعائم الصداقة بين العراق وبريطانيا.
أما صالح جبر رئيس الوزراء فقد صرح في لندن بأن المعاهدة تحقق الأماني القومية وأنه سيعود الى العراق فوراً مهدداً بسحق رؤوس العناصر الفوضوية.

استقالة وزارة صالح جبر:

عاد الوفد العراقي المفاوض الى بغداد في 26 كانون الثاني 1948 وقدم نائب رئيس الوزراء وزير العدلية جمال بابان استقالته وأذاع صالح جبر رئيس الوزراء بياناً قال فيه أنه سيكون للأمة الحكم الفاصل في البت في أمر المعاهدة سلباً أو إيجاباً.

وقد اعتبر الشعب هذا البيان تحدياً وتهديداً باستعمال القوة ولذلك زاد الهياج في ليلة 26 كانون الثاني واليوم التالي وتجددت المظاهرات ونصبت الشرطة الرشاشات فوق البنايات العالية ومآذن المساجد وتجمعت جماهير الطلاب صباح يوم 27/ كانون الثاني 1948 في الساعة التاسعة في مناطق الأعظمية والرصافة والكرخ وجاءت مظاهرة من الكرخ حاولت عبور جسر الشهداء وفتحت الشرطة النار عليهم وأوقعت فيهم خسائر كبيرة وبعد أن استمرت المعركة نصف ساعة عبر المتظاهرون إلى الرصافة.

عاد رئيس الوزراء وأذاع بياناً شديداً صب الزيت على النار فزادها أشعالاً وحاولت الحكومة الاستعانة بالجيش ثم قدم عدد من النواب استقالاتهم وكذلك الوزراء كما استقال رئيس مجلس النواب فطلب عبد الإله من صالح جبر تقديم استقالته فاستقال واعتبر يوم 27 كانون الثاني يوم الوثبة الوطنية وقررت الوزارة عدم الموافقة على مشروع معاهدة بورتسموث وفي عهد هذه الوزارة دخل العراق في حرب فلسطين.