الحرب العراقية - البريطانية.. عدم السماح بمجيء قوات بريطانية جديدة الى العراق قبل مغادرة القوات السابقة الموجودة فيه



الحرب العراقية - البريطانية (2 – 31 مايس 1941):
لم تدع الحكومة العراقية الجديدة مناسبة إلا وأعلنت فيها عن تمسك العراق بالتزاماته وحرصه الشديد على تنفيذ كل ما ورد في المعاهدة العراقية - البريطانية لعام 1930، ولكن البريطانيين ناصبوا حكومة رشيد عالي الكيلاني العداء ورفضوا الاعتراف بها بل أصدرت أوامرها الى جزء من قواتها في الهند والتي كانت متوجهة أصلاً الى الشرق الأقصى بالتوجه الى البصرة ولم تبدي أي تحرك عن عزمها في مغادرة الأراضي العراقية بل على العكس من ذلك شرعت في حفر الخنادق وأعلنت عن مناقصات لتجهيز الأرزاق لها لمدة سنة كاملة الأمر الذي استفز الحكومة العراقية وأثار سخطها.

لم تكتف الحكومة البريطانية بذلك، بل تقدمت السفارة البريطانية في بغداد بطلب الى الحكومة العراقية بعد أيام قليلة من إنزال قواتها السابقة لكي تسمح لها بإنزال قوات بريطانية جديدة في البصرة ولم تستطع الحكومة العراقية الوقوف مكتوفة الأيدي أمام هذه الاستفزازات لذلك اتخذت عدة قرارات مهمة منها عدم السماح بمجيء قوات بريطانية جديدة الى العراق قبل مغادرة القوات السابقة الموجودة فيه وإبلاغ الحكومة البريطانية بأن بقاء قواتها في البصرة يخالف نصوص المعاهدة العراقية - البريطانية ويمس حقوق العراق المشروعة.

إلا أن الحكومة البريطانية تجاهلت معارضة العراق واحتجاجاته ونزلت القوات البريطانية الجديدة في البصرة في 30 نيسان 1941 في الوقت نفسه اتخذت وزارة الدفاع العراقية كافة الترتيبات والاحتياطات العسكرية اللازمة تحسباً من وقوع صراع مسلح مع البريطانيين فأرسلت بعض قطعات الجيش العراقي الى الحبانية.

وأخذت الطائرات البريطانية تقوم بالطيران والاستكشاف بطريقة استفزازية، فطلب قائد القوات العراقية من آمر المعسكر البريطاني الكف عن ذلك.

ورد القائد البريطاني بأن حركات طائراته ما هي إلا تدريبات اعتيادية وطلب في الوقت نفسه من القوات العراقية الانسحاب من مواقعها والابتعاد عن المعسكر البريطاني وبينما كانت المراسلات لا تزال جارية بين قائدي المعسكرين العراقي والبريطاني، فوجئ الجيش العراقي في الساعة الخامسة من صباح يوم الخميس (2 مايس 1941) بهجوم جوي مباغت.

وهكذا بدأ الصراع المسلح وفي اليوم التالي وسع البريطانيون نطاق هجماتهم وقصفت طائراتهم معسكر الرشيد والمواقع المدنية حول الحبانية وأصدر رئيس الوزراء بياناً الى الشعب أعلن فيه نبأ الهجوم البريطاني وهب الشعب العراقي في الداخل والخارج في التعبير عن تأييده للحكومة العراقية.

ركزت القوات البريطانية جهودها العسكرية لاحتلال بغداد نفسها، وتقدموا تجاه بغداد بثلاث أرتال تقدم أحدها من الفلوجة - جسر الخر - بغداد.

واتخذ الآخر طريق أبي غريب الى قرب جسر الخر وتقدم الثالث عن طريق الحبانية - سامراء - بلد - سميكة - التاجي لمهاجمة بغداد من الشمال.

وقد قاوم الجيش العراقي ببسالة متناهية ولكن تفوق السلاح البريطاني وعدم توفر الغطاء الجوي للقوات العراقية ساعد البريطانيين في زحفهم على بغداد.

أصبحت القوات البريطانية على مقربة من العاصمة بغداد في 29 مايس 1941، وفي اليوم التالي (30 مايس) اتضح أن رشيد عالي الكيلاني والمفتي أمين الحسني والعقداء الأربعة وكثير من أعضاء الحكومة قد عبروا الحدود الى إيران.
وبقي يونس السبعاوي وزير الاقتصاد ثابتاً في العاصمة وقد أعلن نفسه حاكماً عسكرياً.

وتم تشكيل لجنة الأمن الداخلي في 28 مايس 1941 برئاسة أرشد العمري أمن العاصمة للإشراف على شؤون العاصمة في تلك الساعات الحرجة وتولت هذه اللجنة المسؤولية في بغداد بعد انسحاب الحكومة كما أخذت على عاتقها مفاوضة السفير البريطاني من أجل عقد هدنة بين الطرفين المتحاربين.

وانتهت المفاوضات بعقد هدنة في 31 مايس 1941، وتضمنت شروط الهدنة إيقاف الأعمال العسكرية في الحال وإخلاء الجيش العراقي لمدينة الرمادي وإعطاء جميع التسهيلات الى القوات البريطانية في العراق وتسليم جميع الأسرى العراقيين الى السلطات العراقية.

أما بخصوص مصير قادة مايس، فقد هربوا الى إيران قبيل دخول الجيوش البريطانية بغداد، وبعد أن تعرضت إيران لغزو الحلفاء تمكن الكيلاني من الهرب من إيران والوصول الى ألمانيا وصلاح الدين الصباغ الى تركيا وألقت السلطات البريطانية على البقية وأرسلتهم الى روديسيا ليحتجزوا هناك.

وأصدرت محكمة عسكرية شكلت في بغداد حكماً غيابياً بالإعدام على الكيلاني وعلي محمود ويونس السبعاوي وأمين زكي والعقداء الأربعة وعندما أرجعت السلطات البريطانية المحتجزين من روديسيا الى العراق أعيدت محاكمتهم وصدر حكم الإعدام في 4 مارس 1942 على فهمي سعيد ومحمود سليمان والسبعاوي ونفذ فيهم الحكم شنقاً كما نفذ بكامل شبيب في 16/ آب 1944.

أما صلاح الدين الصباغ فقد قضى ثلاث سنوات في تركيا ثم سلم الى السلطات العراقية فنفذت فيه حكم الإعدام شنقاً عند باب وزارة الدفاع في 16 تشرين الأول 1945.

وقد أظهرت الحكومة العراقية وفي مقدمتهم الوصي عبد الإله من القسوة والرغبة في الانتقام لتلك النهاية المفجعة لقادة مايس وأثارت في الوقت نفسه حفيظة واستياء الشعب العراقي.