الجمعيات التأسيسية على النمط الفرنسي.. وضع دستور البلاد ومباشرة اختصاصات السلطة التشريعية من سن القوانين ومراقبة عمل الحكومة



الجمعيات التأسيسية على النمط الفرنسي
L'assemblées constituante de type français

وهي تلك الجمعيات التي لا ينحصر عملها في مجرد وضع الدستور، بل يكون لها وظيفة مضاعفة، حيث تتولى من ناحية أولى مهمة وضع دستور البلاد، وتقوم من ناحية أخرى بمباشرة اختصاصات السلطة التشريعية من سن القوانين ومراقبة عمل الحكومة.

ونقابل مثل هذا النوع من الجمعيات - بصورة أساسية - في أعقاب قيام الحركات الثورية,حيث يسند للجمعية التأسيسية - بسبب التغيير الجذري الشامل الذي تحدثه الثورة في بنية المجتمع - ليس فقط وضع الدستور للبلاد، وإنما أيضاً مباشرة اختصاصات السلطتين التشريعية والتنفيذية ريثما يتم تشكيل السلطات المختلفة في الدولة بعد وضع الدستور الجديد، ولذا توصف مثل هذه الجمعيات بأنها ﴿جمعيات تأسيسية عامة﴾، وهو الأسلوب التقليدي المتبع في فرنسا.

وجدير بالذكر أن هذا النوع من الجمعيات التأسيسية التي تمارس وظيفة مزدوجة، له مضارٌ لا تُحمد عقباه، فمن ناحية أولى، يمكن أن يشتّت الدور الإضافي الذي تنهض به الجمعية التأسيسية جهودها ويؤخّر بالتالي انجازها لعملها الأساسي المتمثل في وضع الدستور وإقراره، ومن ناحية أخرى فإن تركيز السلطات التشريعية والتأسيسية بين أيدي نفس الأشخاص قد يؤدي إلى ديكتاتورية الجمعية la dictature d'une assemblée.

وهذه الحقيقة غير خافيةٍ على أحد، فطبيعة النفس البشرية أثبتت عبر القرون، ومن خلال التجارب المستمرة، أن الاستبداد قرين الاستئثار بالسلطة، فليس أخطر على الحرية، وأقرب إلى الطغيان والاستبداد من جمع السلطات وتركيزها في يدٍ واحدة، ولو كانت هذه اليد هي قبضة الشعب نفسه، أو مجلس منبثق عنه.

وقد أثبت التاريخ جديَّة هذه المخاوف، وحسبنا هنا أن نشير إلى تلك الجمعية التأسيسية التي انتخبت في فرنسا في عصر الثورة وعرفت باسم شهير La Convention Nationale، وقد جمعت في قبضة يدها فضلاً عن السلطة التأسيسية (سلطة وضع الدستور) السلطتين التشريعية والتنفيذية.

وقد اتخذت من الإجراءات الاستبدادية ما لا يُعرف له مثيل في تاريخ الملوك والقياصرة المستبدين، وكذلك كان شأن الجمعية التأسيسية التي انتخبت في فرنسا عام 1848 إذ كانت بيدها أيضاً سلطة دكتاتورية، من أجل ذلك كان بعض أساتذة الفقه الدستوري الفرنسي يحاربون فكرة انتخاب جمعية تأسيسية لوضع الدستور الجديد (وهو دستور الجمهورية الفرنسية الرابعة لعام 1946) بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية.