أبو زكريا الحفصي مؤسس الدولة الحفصية.. اكتساب محبة أهل أفريقية باتباع سياسة رشيدة وحسن معاملتهم، وتخفيف أعباء الضرائب عنهم



كانت سن أبي زكريا يوم بدأ حكمه سبعا وعشرين سنة هجرية، لكن ما أظهره من أول وهلة من براعة ومقدرة كان يدل على ما يتمتع به من نضج سياسي مبكر، ومهارة إدارية فذَّة، وسبق له أن حكم في منطقة إشبيلية بالأندلس، حيث كان واليًا على بعض المقاطعات هناك.

وبعد قليل من ولايته خلع أبو زكريا طاعة أبي العلاء إدريس خليفة الموحدين، ولكنه لم يَدَع لنفسه بالأمر؛ تحسبًا للموحدين الذين كانوا في ولايته، واتخذ تونس عاصمة له.

وبدأ في اكتساب محبة أهل أفريقية باتباع سياسة رشيدة، فأحسن معاملتهم، وخفَّف عنهم أعباء الضرائب، ونظر في أمورهم، وراقب عماله وولاته، واستعان بأهل الخبرة والكفاءة، وقرَّب الفقهاء إليه، فأسلت له البلاد قيادها ودانت له بالطاعة والولاء.

توسيع مساحة ولايته:
ثم نهض أبو زكريا لإقرار سلطانه وبسط نفوذه في المناطق المجاورة، فزحف بجيشه إلى قسطنطينة بالجزائر، فدخلها دون صعوبة وخرج أهلها لمبايعته في (شعبان 626هـ = 1229م).

ثم اتجه إلى بجاية ففتحها ودخلت في سلطانه، وبذلك خرجت الولايتان من سلطان دولة الموحدين، وأصبحتا تابعتين لأبي زكريا، ثم طاف بالنواحي الشرقية من ولايته، واستوثق من طاعة أهلها.

وكان ردُّ الخلافة الموحدية على توسعات أبي زكريا على حساب دولتها ضعيفًا للغاية، بل يكاد يكون معدومًا.

ولم يستطع الخلفاء الموحدون أن يمنعوا تفكك دولتهم، أو يقضوا على الحركات الانفصالية، فكانت الدولة مشغولة بالفتن والثورات التي تهب في الأندلس، بل في مراكش عاصمة دولتهم.

وفاة أبي زكريا:
مما لا شك فيه أن أبا زكريا كان من أبرز رجال القرن السابع الهجري.

أنشأ دولة قوية، ونشر الأمن في ربوعها، وقضى على حالة الاضطراب والفتن المزمنة التي لازمت هذه البلاد، وأقام ميزان العدل، وأحسن اختيار الرجال فطال عمرها، وتوالى على حكمها أبناؤه وأحفاده أكثر من ثلاثة قرون.

وظلَّ أبو زكريا على شؤون الدولة متوفرًا عليها حتى لقي ربه في (25 من جمادى الآخرة 647هـ = 5 من أكتوبر 1249م).