تحليل لقصيدة "صلاة إلى العام الجديد" لفدوى طوقان.. الآمال بتحقيق الوحدة العربيّة وببناء الاشتراكيّة وبالتحرّر



كتبت الشاعرة هذه القصيدة في استقبال العام 1958، حين كانت تُشْرِف على سنّ الأربعين، وبعد عشرة أعوام من ضياع معظم الوطن.

والعام 1958 هو واحد من مجموعة أعوام مهمّة في تاريخ العرب الحديث، وذلك أنّ سنواتِ النصف الثاني من الخمسينيّات، والسنواتِ السبع الأولى من العَقْد الذي يليها، هي فترة المدّ الوطنيّ القوميّ الناصريّ. تلك فترة بثّت في نفوس العرب كثيرًا من الآمال بتحقيق الوحدة العربيّة وببناء الاشتراكيّة وبالتحرّر. بكلمات أخرى، كانت تلك فترةً طافحة بالفأل والأمل.

وعنوان القصيدة، المتضمِّنُ كلمةَ "صلاة"، يشير إلى أنّ الشاعرة تتوجّه إلى العام الجديد بوصفه إلهًا أو نبيًّا مخلّصًا، وهو ما تؤكّده السطور الأولى حيث تَستخدم مفرداتٍ ذاتَ مدلولات دينيّة: تسابيح؛ ألحان؛ قرابين.

منذ البداية، تعبّر الشاعرة عن تشوّقٍ إلى المستقبل متجدّدٍ، كاشفةً بذلك عن استيائها من الحاضر الخاذل. الشاعرة لا ترتدّ إلى الماضي ولا تنكفئ عليه بديلاً عن حاضر رديء، إنّما تأمل في الغد الواعد، بل تراه هو في حدّ ذاته أملاً، وتسائله عمّا ينطوي عليه لها وللجميع، كمن تُسائل ضيفًا عزيزًا أو حبيبًا منتظَرًا يحمل بين يديه مفاجآت أو هدايا.

بعد استفهامين متتابعين يحملان مضمونًا واحدًا (وبهذا التكرار المعنويّ تكشف عن حالةٍ من التحرّق وعن تشكُّك)، تبدأ بتقديم طلباتها بفعلٍ طلبيّ مباشر ("أعطِنا")، مستدعيةً الحبَّ والأجنحةَ والنور.

والشاعرة تطلب الحُبّ لأنّه عِمادُ الخير، وتعبّر عن إيمانها بأنّ الإنسان في أعماقه ينطوي على الخير، وأنّ فعل الخير لا يتأتّى إلاّ بإيعاز من الحبّ. فالحبّ -وفق تصويرها- هو الشرارة التي تبعث الخير، أو هو المعول أو اليد التي تفجّر صخور القلوب ينابيعَ خير.

وبالحبّ تخضرّ الأغاني (وهي الأماني؛ واخضرارُها هو تجسُّدها أو نموُّها أو تجدُّدُها)، وتتحوّل إلى حالة من العطاء والغِنى والخِصب.

وتلحّ في طلب الحبّ لغرض البناء؛ فهي تعتبره طاقةً خلاّقةً قادرةً على إعادة بناء ما تهدّم وإعادته مجدَّدًا إلى الوجود.
والعالَم ("دنيانا") الذي تقصده الشاعرة قد يكون حالةً شخصيّة خاصّة بها، بمعنى أنّها تعبّر عن نفسها هي؛ وبهذا الطلب تحاول استعادة أفراح الطفولة والشباب الهاربة، بعد أن وجدت الزمنَ قد سلخ من عمرها أربعة عقود.

وقد يكون هذا العالَمُ حالةً عامّةً تنطبق على شعب الشاعرة على وجه التحديد، أو على أمّتها العربيّة بعامّة، أو على البشريّة بصورةٍ أَعَمَّ؛ إذ يلاحَظ أنّ الشاعرة تستخدم ضمير جمع المتكلّم في كلّ القصيدة، وهو ما قد يدعم افتراضَ أنّ الأمنياتِ التي عبّرتْ عنها أمنياتٌ عامّةٌ شاملة، لا تنحصر في الرغبات الخاصّة بالشاعرة.

والمقصود بهذا أنّها تعبّر عن أمانٍ تخصّ شعبها أو أمّتها أو المجتمع البشريّ بعامّة. إضافة إلى هذا، قولها "نُعيد" يحمل افتراضَ وجود فترة سالفة أو عصور سالفة كانت ملأى بالخير والعطاء والنماء.

ثمّ تطلب أجنحة (وهي دلالة على الطموح أو العزم)، بغيةَ تحويل حالة التحدُّر إلى حالة مغايِرة -حالة ارتقاء-، وبغيةَ التحرّر من القيود (الاجتماعيّة) أو التقاليد البالية.

وفي النهاية تطلب النور (رمزًا للهداية أو الإرادة)، في سبيل التغلّب على حالة الجهل والظلام، والاندفاع نحو ذُرى الرقيّ، ابتغاءَ وَأْد الهزائم وقطف الانتصارات.

في الطلبات الأربعة التي تسوقها الشاعرة إيجابيّةٌ ملحوظةٌ، إذ هي تقرن الطلب بالفعل.
فعلى سبيل المثال، حين تطلب الحُبّ، تقوم بذلك ابتغاءَ إعمار ما انهار، وابتغاءَ ممارسة فعل العطاء والخير.
الحبّ هنا مطلوب لأنّه وَقود محرِّك ودافع، لا لأنّه غاية في حدّ ذاتها.

وحين تطلب الأجنحة، لا تنسى دَوْرَها هي ودَوْرَ كلّ إنسان يطلب العزيمة أو الطموح.
هي تطلب ذلك لممارسة فعل الارتقاء والانعتاق من سِجن التقاليد والقيود.

من ناحية أخرى، تشير وفرة الأمنيات -التي ساقتها الشاعرةُ طلباتٍ- إلى وفرة سلبيّات الحاضر والواقع؛ وذاك أمرٌ يرتبط بحقيقة بسيطة ملخَّصُها أنّه كلّما ازداد الواقع قتامةً ازدادت الحاجة إلى الحُلم/الأمنية.