ماهية الفن عند هايدغر وميرلوبونتي.. موضوع للتفكير الميتافيزيقي المجرد ونموذج للحقيقة الغامضة لوجود الإنسان وعلاقته بالعالم ووحدة مستقلة للمعنى وللإحساس



يعتبر ميشيل هار أن التفكير في العمل الفني في ذاته والاشتغال على هذا الأثر من حيث هو كذلك، لم يبدأ إلا مع هايدغر وميرلوبونتي الذين أعلنا عن استقلالية الأعمال الفنية وضرورة عدم اختزالها في ما تمنحه من منفعة حسية، أو الاكتفاء بالنظر إلى محتواه الفيزيائي، أو مخزونها الثقافي.

إن هذه المحاولة لم تبحث في الفن كموضوع للتفكير الميتافيزيقي المجرد، و لكنها تصورته بالأساس كنموذج للحقيقة الغامضة لوجود الإنسان وعلاقته بالعالم. وهذا ما يعني أن العمل الفني وحدة مستقلة للمعنى وللإحساس.

ينطلق هايدغر في تناوله لإشكالية العمل الفني واستبصاره لماهيته من حضور عنصر المادة داخله، فالأثر الفني هو قبل كل شيء مادة، تحمل وتنقل و تباع.

يقول هايدغر: "إن الجانب الشيئي لصيق بالأثر الفني حتى إن الأثر الفني يضم فوق جانبه الشيئي جانبا آخر أيضا.

هذا الآخر القائم في الأثر هو ما يشكل جانبه الفني.. في الأثر يتم تأليف الشيء المصنوع مع آخر... "إذن الأثر الفني شيء مصنوع وإضافة أخرى هي التمثيل أو الرمز. وهذا ما يحددي ماهية العمل الفني.

غير أن هايدغر يمنح الشيء تعريفا خاصاً.
فما هو الشيء إذن؟
لم يكتفي هايدغر في تعريفه للشيء بما قدمته المقاربات الميتافيزيقية عندما ألحقت الشيء بالأثر دون أن تعرف ماهية هذا الشيء، ففي كتابه الدروب الموصدة يعتبر هذا الأخير أن معرفة أصل العمل الفني عملية صعبة و جد معقدة.

إذ بغض النظر عن مكونات الأثر الفني التي هي أشياء يتساءل هايدغر عن من يسبق الآخر هل الأثر الفني أم الفنان؟ فـ"من خلال العمل نعرف العامل" يقول هايدغر في أصل العمل الفني، بل إن الأثر الفني وحده من يجعل الفنان فناناً.

إلا أن هايدغر سرعان ما ينتهي إلى التأكيد على أنـه إذا كان أصل العمل الفني هو الفنان، فإن أصل الفنان هو الأثر الفني نفسه.

بعد أن يؤكد هايدغر على تعقد الظاهرة الفنية وحضور الجانب الشيئي فيه؟ يعود هايدغر إلى التعريف بماهية الشيء؟

يقول هايدغر "الحجر المرمي على الطريق شيء القدر أو الكأس هي أشياء كذلك؟ وعندما نضع ماءاً أو حليباً في هذه الآنية، تصبح بدورها أشياء.".

من هذا المثال يستنتج أنه بإمكاننا أن ننعت السحب في السماء بالشيء والقمح في الحقل بنفس الاسم، وحتى الأوراق المتساقطة على الأرض أيام الخريف يمكن أن تعتبر أشياء. إن الشيء هو ما يلزم وجوداً ما.

لذا نقول إن العمل الفني شيءً لأنه موجود. إن الشيء عند هايدغر هو كل ما يدل على الوجود والحياة، إن الشيء يمكن أن يكون كل شيء غير العدم والإنسان، ولا يمكن أن نصف إنساناً بالشيء، فنحن غالبا ما نتردد في قول الله شيء مثلما نتردد في وصف الفلاح في حقله، والمعلم في مدرسته بالشيء.

إن ما ننعته بالشيء هو كل الأشياء الموجودة في الطبيعة و التي نستعملها في حياتنا اليومية، أو نصادفها كل يوم أمامنا على صفحات الوجود.