جغرافية المدن.. تحليل العلاقات بين المكان والإنسان عنصرا فاعلا في المساهمة بالدراسات التي تساهم بشكل افضل في حل مشاكل المدن وعلاقاتها الإقليمية



تعد ظاهرة نشوء المدينة من الظواهر التاريخية الموغلة في القدم حيث نشأت دويلات المدن في بلاد وادي الرافدين، منذ عصر فجر السلالات  (300-2500 ق. م)، ثم انتشرت في الهند و الصين بعدها انتقلت هذه الظاهرة إلى الإغريق والرومان  ثم إلى الدولة الإسلامية.

وقد استرعى انتشار ظاهرة بناء المدن اهتمام المخططين والجغرافيين  الأوائل لما لها من مقومات مناخية وطبوغرافية وعسكرية وإنسانية عند شروعهم في تمصير مدنهم الأولى.

جغرافية المدن هي أحد فروع الجغرافية البشرية، وهي فرع حديث في حقل الجغرافية ولم يحتل المكانة المناسبة له إلا في أربعينيات القرن المنصرم، وذلك لتعدد مشاكل المدن وتزايدها نتيجة لتزايد سكان المدن، وبأعداد كبيرة متتالية، بشكل لم يسبق له مثيل، جعل من الجغرافيين لما درسوه نظريا من تحليل العلاقات بين المكان والإنسان عنصرا فاعلا في المساهمة بالدراسات التي تساهم بشكل افضل في حل مشاكل المدن وعلاقاتها الإقليمية.

ونظرا إلى إن أي علم من العلوم ينقسم إلى قسمين نظري وتطبيقي وان كل منهما يكمل الأخر، فان الجغرافي المتخصص بدراسة جغرافية المدن بشكل خاص يكون قد قدم مادة دقيقة محّصت ما في المدينة، وقدّم توقعات نحو تطويرها في المستقبل، وهو نظري في ذلك، إلا إنه سرعان ما يصبح تطبيقاً إذا ماساهم في الإفادة لتكون المدينة بشكل افضل.

وبما إن  الجغرافي في مجال المدن من سكان المدينة - غالباً - لذا فهو أول من يكتشف المدينة التي يسكنها وينظر في تطويرها مستقبلا ً، ونظراً لإنتشار المدن ونموها السريع, خاصة ً بعد تطور الصناعة، والتي من خلالها تطورت مواد البناء وتكنولوجيا البناء والتعمير ووسائل النقل، فإن ذلك يعتبر ميدانا واسعاً يمكّن الجغرافي أن يساهم فيه مساهمة فاعلة بما لديه من خبرة وتدريب في إيجاد الحلول المناسبة.

ولا تختلف جغرافية المدن عن الجغرافية بشكل عام، إذ تعتبر(الجغرافية  اُم العلوم)، وبهذا تتهم بأنها علم يأخذ من كل العلوم  الأخرى، لذا يحاول الجغرافي إيجاد شخصية مختصة به، إذ إن الجغرافية علم يبحث في أسباب توزيع الظواهر الطبيعية أو البشرية، فالتوزيع المكاني  للظواهر ما هو إلا وسيلة نحو فهم أفضل للظاهرة البشرية الحضرية وليس غاية في حد ذاته، إذ إن التوزيع يصف الظاهرة ولا يحللها، ولهذا يقوم الجغرافي بتحليل المتغيّرات التي أوجدت أو أثرت في توزيع معين لهذه الظاهرة.

وبهذا يكون قد بحث عن وظيفة الظاهرة وليس مجرد الإكتفاء بوصفها وصفاً سطحياً بسيطاً لا يعطي للموضوع بعدًا جغرافيًا، عكس الذي يبيّن الأسباب الجغرافية الطبيعية والبشرية التي ساهمت في تكوين هذه الظاهرة، إذ ليس من الجغرافية في شيء، أن نقول مثلا (إن النجف مدينة دينية  فيها الكثير من المظاهر الحضرية...الخ) بل يصبح الأمر جغرافيا عند القول (النجف مدينة تقع في وسط العراق، على أطراف الصحراء الغربية، تبعد بمقدار (10كم) عن  نهر الفرات...الخ ).

بهذا يمكن أن نبيّن إن  جغرافية المدن شأنها في ذلك شأن بقية فروع الجغرافية, إلا إنها ضمن إطار المدينة لكونها ـ المدينة ـ جزءاً من أقاليم جغرافية أكثر اتساعاً، فكان ميدانهم دراسة الإختلافات الإقليمية في توزيع المدن، لأن المدينة ليست معزولة عما يحيط بها من مناطق ريفية أو مدن, بل هي كائن عضوي يؤثر ويتأثر بما يحيط به من مناطق ريفية أو حضرية.