ما هي أنواع الإطناب؟.. ذكر الخاص بعد العام للتنبيه على فضل الْخاص. الإِيضاح بعد الإبهام. التوشيع. التكرار. الاعتراض. الإيغال. التذييل. الاحتراس. التتميم



 أنواع الإطناب:

للإطناب أنواع كثيرة منها:

1- ذِكْرُ الخَاصِّ بَعْدَ العام:

لِلتَّنبيهِ عَلَى فَضْلِ الْخَاصِّ، كقوله تعالى: (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى [البقرة/238])، وفائدتُه التنبيهُ على مزيةٍ وفضلٍ في الخاصِّ، حتى كأنَّه لفضلهِ ورفعتهِ جزءٌ آخرُ، مغايرٌ لما قبلهُ، ولهذا خصَّ الصلاةَ الوسطى (وهي العصرُ على الصحيحِ) بالذكرِ لزيادةِ فضلِها.

2- ذِكْرُ العَامِّ  بَعدَ الخَاصِّ:

لإفادَةِ العُمُومِ معَ الْعِنايةِ بشَأن الخاصِّ، كقوله تعالى :(رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ) [نوح/28].
وفائدتُه شمولُ بقيةِ الأفراد، والاهتمامُ بالخاصِّ لذكرهِ ثانياً في عنوان عامٍّ، بعد ذكرهِ أولاً في عنوانٍ خاصٍّ.

3- الإِيضاحُ بَعْدَ الإبهامِ:

لتقريرِ الْمَعْنى في ذهنِ السامِع بذكرهِ مرتين، مرةً على سبيل الإبهام ِوالإجمالِ، ومرّةً على سبيلِ التفصيلِ والإيضاحِ، فيزيدُه ذلك نبلاً وشرفاً، كقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (10) تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ [الصف/10، 11]).
وكقوله تعالى: (وَقَضَيْنَا إِلَيْهِ ذَلِكَ الْأَمْرَ أَنَّ دَابِرَ هَؤُلَاءِ مَقْطُوعٌ مُصْبِحِينَ [الحجر/66])، فقوله تعالى: (أَنَّ دَابِرَ هَؤُلَاءِ) تفسيرٌ وتوضيحٌ لذلك (الأمرِ) المبهمِ وفائدتُه توجيهُ الذهنِ إلى معرفتهِ، وتفخيمُ شأنِ المبيَّنِ، وتمكينهِ في النفسِ، فأبهمَ في كلمةِ (الأمرِ) ثمَّ وضَّحهُ بعدَ ذلك تهويلاً لأمرِ العذابِ.

4- التوشيعُ:

هو أن يؤتَى في آخرِ الكلامِ بمثنَّى مفسَّرٍ بمفردينِ ليُرى المعنى في صورتينِ، يخرجُ فيهما من الخفاءِ المستوحِشِ إلى الظهورِ المأنوسِ، نحو: العلمُ علمانِ، علمُ الأبدانِ، وعلمُ الأديانِ.

5- التكرارُ لِدَاع:

هو ذكرُ الشيء مرتينِ أو أكثرَ – لأغراضَ عديدة:

الأوّلُ - التأكيدُ وتقريرُ المعنَى في النَّفس:

كقوله تعالى: (كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ (3) ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ [التكاثر/3، 4])، وكقوله تعالى: (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (5) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا  [الشرح/5، 6]).

الثاني - طولُ الفصلِ:

لئلا يجيءَ مبتوراً ليسَ له طلاوةٌ، كقوله تعالى: {إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ} (4) سورة يوسف ،فكّررَ (رأيتُ) لطولِ الفصل ِ، ومن هذا القبيلِ قولُ الشاعر:
وإنَّ امرَأً دَامَت مواثِيقُ عهدِهِ
على كلِّ ما لاقيتُهُ لكَرِيمُ

الثالثُ - قصدُ الاستيعابِ:

نحو: قرأتُ الكتابَ باباً باباً، وفهمتُه كلمةً كلمةً.

الرابعُ - زيادةُ الترغيبِ في العفوِ:

كقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [التغابن/14]).

الخامسُ - الترغيبُ في قبولِ النصحِ باستمالةِ المخاطبِ لقبولِ الخطاب:

كقوله تعالى: (وَقَالَ الَّذِي آَمَنَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ (38) يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآَخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ [غافر/38، 39])، ففي تكريرِ (يا قومِ) تعطيفٌ لقلوبهِم، حتى لا يشكُّوا في إخلاصِه لهم في نصحِه.

السادسُ - التنويهُ بشأنِ المخاطبِ:

نحو قوله صلى الله عليه وسلم: «الْكَرِيمُ ابْنُ الْكَرِيمِ ابْنِ الْكَرِيمِ ابْنِ الْكَرِيمِ يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِمِ السَّلاَمُ »أخرجه البخاري.

السابعُ - الترّديدُ:

وهو تكرارُ اللفظِ متعلقاً بغيرِ ما تعلَّقَ به أولاً، كما وردَ في الأثرِ: «السَّخِىُّ قَرِيبٌ مِنَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْجَنَّةِ قَرِيبٌ مِنَ النَّاسِ بَعِيدٌ مِنَ النَّارِ وَالْبَخِيلُ بَعِيدٌ مِنَ اللَّهِ بَعِيدٌ مِنَ الْجَنَّةِ بَعِيدٌ مِنَ النَّاسِ قَرِيبٌ مِنَ النَّارِ».

الثامنُ - التلذذُ بذكرهِ:

نحو قول مروان بن أبي حفصةَ:
سقى الله نجداً والسلامُ على نجد -- وياحبذا نجدٌ على القُربِ والبعدِ

التاسعُ - الإرشادُ إلى الطريقةِ المثلَى:

كقوله تعالى: (أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى (34) ثُمَّ أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى  [القيامة/34، 35]).

6- الاعْتِرَاضُ:

وهُو أنْ يؤْتَى في أثْناءَ الكلاَمِ  أوْ بَيْنَ كلاميْنِ مُتَّصِلَيْنِ في المعنى بجُمْلَةٍ أوْ أكْثرَ لا مَحَلَّ
لها منَ الإعرابِ -وذلك لأغراضٍ يرمي إليها البليغُ - غيرَ دَفعِ الإيهام:

أ)- كالدعاءِ:

نحو: إني - حفظكَ اللهُ- مريضٌ، وكقول عوف بن محلم الشيبانيِّ:
إِنَّ الثَّمانِينَ، وبُلِّغْتَها
قد أَحْوَجَتْ سَمْعِي إِلى تُرْجُمانْ

ب)- التنبيهُ على فضيلةِ العلمِ:

كقول الشاعر:
واعلمْ، فَعِلْمُ الْمَرء يَنْفَعُهُ + أن سَوْفَ يأْتي كُلُّ ما قُدِرا

ج)- التّنزيهُ:

كقوله تعالى: (وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَنَاتِ سُبْحَانَهُ وَلَهُمْ مَا يَشْتَهُونَ [النحل/57])

د)- زيادةُ التأكيد:

كقوله تعالى: (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ [لقمان/14])
هـ-الاستعطافُ ، كقول المتنبي:
وَخُفوقُ قَلْبٍ لَوْ رَأيتِ لَهِيبَهُ -- يا جَنّتي لَظَنَنْتِ فيهِ جَهَنّمَا

و)- التهويلُ:

نحو قوله تعالى: (وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ [الواقعة/76])

7- الإيغالُ:

وهو ختمُ الكلام ِبما يُفيد نُكتةً يتمُّ المعنى بدونها، كالمبالغةِ في قول الخنساء:
وإنَّ صخراً لتأتمُّ الهداةُ بهِ
كأنَّهُ علمٌ في رأسهِ نارُ
فقولها: «كأنه علمٌ» وافٍ بالمقصودِ، لكنها أعقبتُه بقولها « في رأسهِ نارٌ» لزيادةِ المبالغةِ، ونحو قوله تعالى : (وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ [البقرة/212]).

8- التَّذْييلُ:

وهوَ تَعقيبُ الجملِ بجمْلَةٍ أخْرَى تَشْتَمِلُ على مَعْنَاهَا تَوْكيدًا لها، تأكيداً لمنطوق الأولى، أو لمفهومِها، نحو  قوله تعالى: (وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا [الإسراء/81]).
ونحو قوله تعالى: {ذَلِكَ جَزَيْنَاهُم بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ} (17) سورة سبأ

والتَّذييلُ  قسمانِ: قسمٌ يستقلُّ بمعناهُ، لجريانهِ مجرى المثلِ، وقسمٌ لا يستقلُّ بمعناه، لعدم جريانه مجرَى المثلِ، فالأولُ الجاري مجرَى الأمثال، لاستقلالِ معناهُ، واستغنائهِ عما قبلَه كقولِ طرفةَ:
كُلُّ خَلِيلٍ كنتُ خالَلْتُه
لا تَرَكَ اللهُ لهُ واضِحَهْ
كلُّهُمُ أَرْوَغُ منْ ثَعْلَبٍ
ما أَشْبَهَ الليلةَ بالبارِحَه

والثاني غيْرُ جَارٍ مجرَى المَثَل إن لَم يَسْتَغن عَما قَبلَهُ، ولعدمِ استقلالهِ بإفادة المعنَى المراد، كقول النّابغة:
لم يبقِ جودُكَ لي شيئاً أؤملُه
تركتني أصحبُ الدنيا بلا أملِِ
فالشطر الثاني مؤكدٌ للأولِ، وليسَ مستقلاً عنه، فلم يجرِ مجرَى المثلِ.

9- الاحتراسُ:

وَيَكُونُ حِيَنما يأتي المتكلمُ بمَعْنى يُمكِنُ أنْ يَدخلَ عَلَيْهِ فيه لَوْمٌ، فَيَفْطِنُ لذلكَ ويأتي بما يُخَلِّصُهُ منْهُ، ويقالُ له التكميلُ، سواءٌ أوقعَ الاحتراسُ في وسطِ الكلامِ،كقول طرَفةَ بن العبد:
فسَقَى دِيَارَك غَيْرَ مُفْسِدِهَا
صَوْبُ الرَّبِيعِ وَدِيمَةٌ تَهْمِي

فقوله غيرَ مفسدِها: للاحتراسِ.
أو وقعَ الاحتراسُ في آخرهِ، نحو قوله تعالى: (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا) [الإنسان/8] أي: معَ حبِّ الطعامِ واشتهائهِم لهُ، وذلكَ أبلغُ في الكرمِ، فلفظُ على حبِّهِ فضلةُ للاحتراسِ ولزيادةِ التحسينِ في المعنَى، وكقولِ أعرابيةٍ لرجلٍ: (أذلَّ اللهُ كلَّ عدوٍّ لكَ إلا نفسَكَ).

10- التَّتميمُ:

وهو زيادةُ فضلةِ، كمفعولٍ  أو حالٍ أو تمييزٍ  أو جارٍ ومجرورٍ، توجِدُ في المعنَى حُسناً بحيثُ لو حذفتْ صارَ الكلامُ مبتذلاً كقول ابن المعتزِّ يصف فرساً:
صَبَبْنَا علَيْهَا ظَالِمِينَ سِيَاطَنَا
فطَارَتْ بها أَيْدٍ سِرَاعٌ وأَرجُلُ

إذ لو حذفَ (ظالمينَ) لكانَ الكلامُ مُبتذلاً، لا رقَّةَ فيهِ ولا طلاوةَ، وتوهَّم أنها بليدةٌ تستحقُّ الضربَ، ويُستحسنُ الإطنابُ في الصلحِ بين العشائرِ، والمدحِ، والثناءِ، والذّمِ والهجاءِ، والوعظِ، والإرشادِ، والخطابةِ في أمرٍ من الأمورِ العامةِ، والتهنئةِ ومنشوراتِ الحكومةِ إلى الأمةِ، وكتبِ الولاةِ إلى الملوكِ، لإخبارهِم بما يحدثُ لديهم من مَهامِّ الأمورِ، وهناكَ أنواعٌ أخرى من الإطنابِ، كما تقولُ في الشيءِ المستبعدِ: رأيتُهُ بعيني، وسمعتُهُ بأذني، وذقتُه بفمي، تقولُ ذلك لتأكيدِ المعنَى وتقريرِه.
وكقوله تعالى :(فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ) [النحل/26]، والسقف ُلا يخرُّ طبعاً إلا من فوقِ، ولكنهُ دلَّ بقولهِ (منْ فوقهِم) على الإحاطةِ والشمولِ.
 واعلمْ أنِّ الأطنابَ أرجحُ عندَ بعضهِم منَ الإيجازِ، وحُجَتُه في ذلك أنَّ المنطقَ إنما هو البيانُ، والبيانُ لا يكونُ إلا بالإشباعِ، والإشباعُ لا يقعُ إلا بالإقناعِ، وأفضلُ الكلامِ أبينُهُ، وأبينُهُ أشدُّه ُإحاطةً بالمعاني، ولا يحاطُ بالمعاني إحاطةً تامةً،إلا بالاستقصاءِ والإطنابِ.

والمختارُ: أنَّ الحاجةَ إلى كلٍّ منَ الإطنابِ، والإيجازِ، ماسةٌ: وكلُّ موضعٍ لا يسدُّ أحدهُما مكانَ الآخرِ فيه، وللذوقِ السليمِ القولُ الفصلُ في موطنِ كلٍّ منهُما.