ابن خلدون والتنمية الحضرية.. علاقة ارتباطية بين البنية الحضرية والبنية الإجتماعية حيث ترتبط بالوضعية الإقتصادية والتقدم المعرفي والتكنولوجي



يعتبر ابن خلدون من المفكرين المسلمين الأوائل الذين درسوا الظاهرة الحضرية واعتبروا المدينة كبنية اجتماعية في تطور دائم.

وهكذا، يرى هذا العلامة ان الإنسان حضري بطبعه، وأن المدينة هي نتاج تواجد لأعداد من السكان ضمن علاقات اجتماعية، كما يعتبر أن المدينة أو العمران الحضري كما يسميها ابن خلدون، هي في الواقع أعلى درجات التحضر التي يمكن لشعب ما بلوغها، حيث يرى أنه كلما كبر حجم السكان كلما ازدادت رفاهية الأفراد وتجاوز مستواهم المعيشي ورخائهم، مستوى مدينة ذات حجم سكاني أقل.

وبالتالي فهو يعتبر أن سكان المدن الصغيرة تكون في الغالب في وضعية تنموية ضعيفة والملاحظة ذاتها يبديها بالنسبة لسكان الأقاليم الريفية.
فابن خلدون يركز على الحجم والقوة في انتاج مدينة تجمع بين النمو والتنمية.

هذه المقولات المشهورة لابن خلدون، هي المبادئ الأساسية التي اعتمدها في ابراز التباين بين مختلف مراحل تطور المدن، والذي يمر عبر سلسلة هرمية، والمستوى الحضاري للمدن الصغيرة والتجمعات السكانية الكبيرة وبين العاصمة ومدن الأقاليم المختلفة.

ويمكن تلخيص وجهة نظر ابن خلدون بخصوص الظاهرة الحضرية في علاقتها بالتنمية كما يلي:
يقيم علاقة ارتباطية بين البنية الحضرية والبنية الإجتماعية، وبالتالي فإن التنمية الحضرية تنعكس حتما على التنمية الإجتماعية. إن البنية الحضرية ترتبط أيضا بالوضعية الإقتصادية والتقدم المعرفي والتكنولوجي.

وهذه العلاقة السببية التي يقيمها ابن خلدون بين الفعل الحضري والفعل الإجتماعي منذ القرن الرابع عشر، أعاد التأكيد عليها المفكر الفرنسي؛ هنري لوفافر (H.Lefevre) حيث يقول: "أن المدينة هي عملية توطين مجتمع بثقافته ومؤسساته وقيمه وبنيته الإقتصادية وعلاقاته الإجتماعية، والتي تشكل في نهاية الأمر البنية الاجتماعية بمفهومها الواسع".

وفي سياق آخر يرى ابن خلدون أن المدينة هي فعل سياسي بالأساس، لأنها من انتاج الطبقة الحاكمة ويرتبط حياة المدينة بحياتها(المملكة).

كما تحدث ابن خلدون عن القواعد العمرانية للتعمير أو لقيام المدينة وهي:
- اختيار الموضع الدفاعي الجيد.
- اختيار موضع ذو مناخ ملائم للحياة.
- قرب الموضع من مصادر المياه والأراضي الفلاحية.

وفي الحقيقة يرجع الفضل لابن خلدون في تحليله للمدينة والظاهرة الحضرية، على اعتبار انه تحث عن المدينة في إطارها الإقليمي ولم يقتصر حديثه عن المدينة بمحيطها الجغرافي، فهو بالتالي يطرح منذ اكثر من 7 قرون ضرورة التكامل بين الرؤية الإقليمية والرؤية الحضرية (التخطيط الإقليمي والتخطيط الحضري).

كما يرجع له الفضل أيضا في تحليله للظاهرة العمرانية من خلاله البعد التاريخي وتطورها العمراني.
وأخيرا يربط ابن خلدون المدينة بالريف عبر أبعاد تاريخية واجتماعية واقتصادية، جديرة بالاهتمام والدراسة.

ومن هنا كانت التنمية الحضرية عند ابن خلدون مرتبط دوما بمركبات ايكولوجية واجتماعية واقتصادية وثقافية، تشكل القاعدة الأساسية لها من خلال بعدين أساسيين ومرتبطين على الدوام؛ التنمية الفيزيقية والتنمية الإجتماعية.