الشخصيات في مسرحيّة المحلّل لفتحي رضوان.. لطيف بك. ريري. الاعتقاد بترابط النضالات إلى حد الامتزاج



تعمّدَ الكاتب -على ما يبدو- عدم ذكر اسم الرجل المحلّل الصريح (ومن صفاته الضعف والعجز والفشل والتردّد والفقر).

ويمكن تفسير ذلك بأنّ الكاتب ربّما أراد عبْر هذا ضمانَ شموليّة في الطرح؛ فالمحلّل حالة عامّة، إذ يمثّل قطاعات واسعة من المجتمع المصريّ ومن المجتمعات عامّةً، هي قطاعات المغلوبين المُعْوِزين الذين يساهمون في صنع الرذيلة لا لأنّهم من أنصارها، بل لأنّهم محتاجون إلى ما يسدّ الرمق.

كما يمكن تفسير عدم ذكر اسم الرجل برغبة الكاتب في أن يساهم ذلك في التعبير عن التنكير (والمقصود هنا الإشارة إلى الظلم الذي ينصبّ على أبناء هذه الفئات الاجتماعيّة المسحوقة، إذ يُنظَر إليهم باعتبارهم نكرات مغيَّبة مهمَلة، لا يعرفهم أحد، وإن عرفهم فإنّه لا يوليهم اهتمامًا).

أمّا لطيف بك، فاسمه ينطوي على مفارقة (Irony)، ذلك أنّ لطفه شبه معدوم، وحين يبدر منه لطفٌ ما، فذاك -في الغالب- وسيلةٌ هو لبلوغ هدفٍ ما.

بعبارة أخرى، لطف هذه الشخصيّة هو لطفُ الانتهازيّين، لطفُ مَن لا يتصرّف تصرّفًا حانيًا إلاّ إن كان في الأمر ما يصبّ في مصلحته الشخصيّة البحتة.

لطف هذه الشخصيّة ليس لطفَ من اعتاد احترامَ الناس والحنوّ عليهم والنظر إليهم بوصفهم مخلوقات بشريّة مساوية له.

من ناحية أخرى -وبخلاف الحال مع "الرجل" المنكَّر-، يرِدُ اسم هذه الشخصيّة صريحًا.
وهو أمر يتوافق مع مكانته الاجتماعيّة المرتكزة إلى إمكانيّاته المادّيّة، فلطيف بك امرؤ معروف، بل مشهور، كسائر أفراد طبقته الاجتماعيّة (الحاكمة والقليلة العدد- وكونها كذلك يجعلها مشهورة أكثر)؛ وفي هذا التعريف باسمه ما يحمل تلميحًا إلى سموّ مقامه الاجتماعيّ واعتراف المجتمع الظالم بسيادته.

أمّا الشخصيّة الثالثة والأخيرة -وهي الشخصيّة النسائيّة الوحيدة في المسرحيّة-، فقد اختار المؤلّف أن يشير إليها قبل كلّ جملة حواريّة تصدر عنها بكلمة "السيّدة".

وقد يصحّ أن نعزو الأمر إلى رغبة الكاتب في لفت الانتباه إلى أنّ هذه "السيّدة" هي سيّدة الموقف، رغم جذورها الاجتماعيّة المتواضعة، ورغم كونها امرأة يراها بعض أفراد  المجتمع كائنًا ضعيفًا.

وفي هذا ما قد يحمل نبوءة بأنّ المرأة لديها القدرة على امتلاك أو تقرير مصيرها، عَبْر النضال المشترك مع الفئات الاجتماعيّة المضطهَدة (ويمثّل "الرجل" هذه الفئات).
ويمكن ادّعاء الأمر ذاته في ما يتعلّق بـِ "الرجل" (المحلّل).

ويلاحَظ أنّ الكاتب قد أشار في قليل من الحالات إلى هذه المرأة على لسان لطيف بك بالاسم "ريري" (يبدو أنّه اسم التحبّب المختصر الذي يستخدمه المصريّون لاسم العلم المؤنّث "راوية").

ومن المحتمل أنّ الكاتب أراد بهذا أن يلمّح إلى أنّ الطبقة الاجتماعيّة التي حاولت هذه المرأة الانخراط فيها (من خلال اقترانها برجل أرستقراطيّ نقَلَها وَ "ارتقى" بها من طبقة اجتماعيّة إلى أخرى) لم تُبْقِ من اسمها سوى الصورة المشوَّهة هذي التي يُفتَرض أنّها صيغة تحبّب.

وهذه السيّدة تنساق إلى المحلّل أو تنجذب إليه، لأنّها وجدت فيه نفْسًا إنسانيّة أكبر وأطهر من نفْس زوجها السابق لطيف.

وجدتْه مشابهًا لها في كثير من الوجوه، أهمّها أنّه مستضعَف مستغَلّ مستلَب مقهور توّاق إلى الحرّيّة لأنّه كمثلها مستعبَد.

من هنا يمكن القول إنّ الكاتب يعتقد بترابط النضالات إلى حدّ الامتزاج (نضال المرأة، والنضال في سبيل تحقيق العدل الاجتماعيّ –كما توحي هذه المسرحيّة)؛ كما يمكن الافتراض أنّ الكاتب ينفي جدوى النضال الفرديّ، إذ يرى النضال الجماعيّ ضمانةً للفَلاَح.