وصف الخمرة ومجالسها في الشعر الجاهلي.. اللهو مفخرة كل شاب من شباب العصر الجاهلي



لم يكن وصف الخمرة عند الشعراء الجاهليين موضوعا مستقلا و"إنما كانوا يمسونها مسّا، أو يطيلون في وصفها إذا سنحت بذلك سانحة".

واللهو - كما نعلم - مفخرة كل شاب من شباب ذلك العصر، والأسود بن يعفر النهشلي عشق الخمرة، وأجاد وصفها، فنراه يرسم لنا لوحة فنية من خلال تشبيه رضاب صاحبته بها.

فرضاب صاحبته طيب الرائحة عند نهوضها من نومها، فكأنها شربت عشاء قبل نومها خمرة غير ممزوجة، اختارها الخمارون من صفوة الدن، تغمره أغصان الريحان، وتحفه أعواد الطيب، فكانت خمرا صهباء صافية، ولم يرفع الشاعر ريشته عن هذه اللوحة حتى سجل لنا حركة هذا الرجل الدائبة الطويلة، إذ مكث أكثر من نصف عام يحتال في شرائها منتقلا في أماكن خزنها، يرشو التجار والمترجمين.
وكما اهتم الأسود في كثير من نماذجه بوصف الخمرة، اهتم أيضا بوصف مجالسها.

وقد ركز الأسود عدسته الفنية على الساقي الذي كان يقدم لهم الخمرة، فهو فتى بهي، في صوته غنة، وقد شدّ حضره بالمنطقة، يقبل على الندامى بالخمر، ويدفعون له ثمن الراح من دراهم الأكاسرة، وقد شمّر عن ساعديه، واصطبغت يداه بالفرصاد، وقد تدلت من أذنيه لؤلؤتان.

ونراه يستكمل عناصر هذه اللوحة فيرسم صورة للغانيات اللواتي كُنّ يطفنَ بالشراب، وينطقن الحديث تهامسا، فيشرب الندامى الخمر من أيديهن وأفواههن، وينتشون بخمر الأقداح، وحديث الأفواه.

حقا لقد أجاد الأسود وصف الساقي والساقيات، وأحسن تصوير مجلس الشراب، وصوره تصويرا كامل الأجزاء، تام العناصر، حتى أنه ليحبب إلى من يسمع ألحانه أن يشهد ذلك المجلس.

وحينما تستمع إلى هذه الألحان العذبة، فإنك تجد علقمة لا يتحدث عن الخمر فحسب، بل تشعر بأن الشاعر "يذيقك في بيته الثاني طعم هذه الخمر". وقد وقف الدكتور النويهي عند هذه الأبيات وقفتين متأنيتين، مفصّلاً القول في جمال التصوير، وسعة الخيال عند علقمة.

ولحسان بن ثابت جهود فنية متميزة في وصف الخمر.
فقد صور الساقي غلاما مقرطا، يسعى إليه بالخمر في خفة، فيسقيه مرة بعد مرة، ويقص قصة تلك الخمرة الصافية التي تشبه الفلفل في طعمها، وكيف شربها صرفا بعد أن ردها على الساقي حين قتلها بالماء، فإنهما وإن كانتا من أصل واحد، إلا أنه يطلب لنفسه أشدها سورة.

وما أجمل هذه الصورة، صورة رقص الخمر في زجاجتها، ورقص الزجاجة بها من نشوتها، رقص ناقة سريعة براكب مستعجل.