الوصف الشعري في الشعر الجاهلي.. تصوير صادق لكل ما وقعت عليه أعينهم فقدموا لنا لوحاتٍ فنيةً منقولةً بدقة وبراعة عن البيئة التي عاشوا فيها



يعد الوصف من أهم الأغراض الشعرية التي طرقها الشعراء الجاهليون، وبرعوا فيها، فوصفوا كل ما أبصروه، وشاهدوه وصفا دقيقا، وكان شعرهم تصويرا صادقا لكل ما وقعت عليه أعينهم، فقدموا لنا لوحاتٍ فنيةً منقولةً بدقة وبراعة عن البيئة التي عاشوا فيها مما جعلنا وجها لوجه أمام معالم تلك البيئة نعيش قلبها، ولا نتخيلها تخيلا.

وكان الشاعر الجاهلي يستقرئ جميع الموصوف، فلا ينهي لوحة الوصف إلا بعد أن يقدم الصورة بأبهى منظر، وأدق بيان، فبدت القصيدة الجاهلية وكأنها شريط مصور تظهر فيه معالم تلك الحياة.

اهتم النقاد القدامى بهذا الفن، ووضعوا تعريفات عديدة له، لكنها أهملت العلاقة بين الواصف والموصوف، أما النقاد المحدثون فقد التفت كثير منهم إلى هذه العلاقة بين الشاعر وما يصفه، وتنبهوا إلى مشاركته إياه بوجدانه ومشاعره.

ركز الشعراء الجاهليون عدساتهم الفنية على الطبيعة، فنقلوها في أشعارهم لوحات فنية، فيها دقة في الوصف، وبراعة في التشبيه، وروعة في التعبير، حتى ليخيل إلينا أن الشاعر الجاهلي يصور لنا الموصوف، فنراه رؤيا العين، ونقل إلينا باللغة ما ينقله الرسام بالريشة، فتوجه إلى الطبيعة بحواسه، وخياله، فوصف أطلالها، وحيوانها، ونباتها، ورياضها.

وكان هذا الجاهلي في ساعات فراغه ينطلق نحو مجالس اللهو والخمر والغناء، فوصف لنا بأسلوب راق ما كان يدور في تلك المجالس، واستطاع أن يضعنا في أجوائها.