وصف استخراج اللؤلؤ في الشعر الجاهلي.. تبديد المزاعم التي قيلت عن جهل العربي بالبحر ومعاناة صادقة بحثا عن المعدن الثمين في أعماق البحر



نقع على عدة لوحات فنية، اثنتان منها للأعشى، وواحدة للمخبل السعدي، وأخرى لأبي ذؤيب الهذلي. وتعد هذه اللوحات وثيقة تاريخية صادقة للبحث عن اللؤلؤ في العصر الجاهلي، وتبدد كل المزاعم التي قيلت عن جهل العربي بالبحر، وخوفه منه، بما تحويه من تفصيل دقيق، ومعاناة صادقة بحثا عن المعدن الثمين في أعماق البحر.

ونبدأ بقصيدتي الأعشى، وأوّلهما قصيدة عامة يصور فيها الغواص وهو يستخرجها من لجج عميقة، يدفع حياته ثمنا لها، فهي غاية ما يرجوه ويتمناه في حياته.

والأعشى لا ينسى أن يصور لنا الخوف ومواجهة الموت الجاثم في أعماق البحر، لأولئك الصيادين الذين يبحثون عن الدر.

ولا يفوته أن يصور لنا ندرة هذه الدرة، فقد تولى الجنُّ حراستها، خوفا من أيدي السارين والسرقا (الصيادين).

أما قصيدته الثانية فهي لوحة تاريخية وفنية صادقة، كان شاعرنا قد تحسسها، ورسم خيوطها بنظره وخياله، وهي بالحقيقة تمثل أروع ما وصل إلينا من الشعر الجاهلي عن صيد اللؤلؤ.

والقصيدة يبدأها الأعشى بوصف أربعة من صيادي اللؤلؤ، ويصفهم بأنهم مختلفو الألوان والأصل، وقد اجتمعوا على الصيد.
ويصف اختلافهم في أمر رحلتهم حتى اتفقوا، فأسلموا قيادتهم إلى رئيسهم، وخضعوا له، وأطاعوه.

فإذا ما وصلوا إلى مكان الصيد، وأرسلوا سفينتهم، بعدما ألقوا المراسي، قذف صاحبهم نفسه في البحر، بعد أن طلي جسده بالزيت، خوفا من ملوحة ماء البحر.

ثم يواصل الأعشى وصفه لهذا الغائص، وهو يبحث عن درته، وكيف يمج ويقذف بالزيت من فيه، كي يضيء له الطريق في لجة البحر، وهذه طريقة تستعمل في صيد اللؤلؤ، ولا ينسى الأعشى أن ينقل لنا الصراع النفسي الذي يعيشه الصياد في بحثه عن اللؤلؤ.
فأبوه قبله مات بحثا عنها.

وهو الآن في مواجهة مع الموت، فإما أن يلحق به، وإما أن يحصل عليها، ويتحرر من الفقر، ويعيش في غنى ورفاه.

ثم يصف الأعشى الغائص، وقد ناصف النهار عليه، وهو غاطس تحت الماء، وشريكه فوق السفينة ينظر، وهو ممسك بالحبل، ولا يدري ما حل بصاحبه.

ولم يزل يبحث عن الدرة حتى وقع عليها، فحملها مسرورا، وخرج إلى أصحابه، وتوجهوا بها إلى السوق ليبيعوها، فلما وصلوا إلى السوق أسرع التجار إليهم، فأحاطوا بهم، وأخذوا يسومون الدرة، فأبى رئيسهم أن يبيعها لهم، لأنه استقلّ ما دفعوه من ثمن فيها.

أما اللوحة الثالثة فنجدها عند المخبل السعدي حيث صور فيها رعشة الخوف من الموت لدى الغائص، وهو في لجة البحر، وتحت سمك القرش.

وقد شبهه بسرعة السهم في سرعته ومضائه، وهو يحمل درته الثمينة، وقد تلبد على صدره زبد البحر، والزيت الذي علق به في أثناء قذفه له داخل البحر في أثناء بحثه عن الدر.