بختيشوع بن جبرائيل بن بختيشوع.. كتاب في الحجامة على طريقة سؤال وجواب



بختيشوع بن جبرائيل بن بختيشوع:
(كان سريانياً نبيل القدر، وبلغ من عظم المترلة والحال وكثرة المال، ما لم يبلغه أحد من سائر الأطباء الذين كانوا في عصره، وكان يضاهي المتوكل في اللباس والفرش، ونقل حنين بن إسحاق لبختيشوع بن جبرائيل كتباً كثيرة من كتب جالينوس إلى اللغة السريانية والعربية، قال فثيون الترجمان لما ملك الواثق الأمر، كان محمد بن عبد الملك الزيات وابن أبي داود يعاديان يختيشوع، ويحسدانه على فضله، وبره، ومعروفه، وصدقاته، وكمال مروءته، فكانا يغريان الواثق عليه إذا خلوا به، فسخط عليه الواثق، وقبض على أملاكه وضياعه، وأخذ منه جملة طائلة من المال، ونفاه إلى جندي سابور، وذلك في سنة ثلاثين ومائتين، فلما اعتل بالاستسقاء، وبلغ الشدة في مرضه، أنفذ من يحضر بختيشوع، ومات الواثق قبل أن يوافي بختيشوع، ثم صلحت حال بختيشوع، بعد ذلك في أيام المتوكل، حتى بلغ في الجلالة، والرفعة، وعظم المترلة، وحسن الحال، وكثرة المال، وكمال المروءة، ومباراة الخلافة في الزي واللباس، والطيب، والفرش، والصناعات، والتفسيح، والبذخ في النفقات، مبلغاً يفوق الوصف، فحسده المتوكل وقبض عليه، ونقلت من بعض التواريخ، أن يختيشوع بن جبرائيل، كان عظيم المترلة عند المتوكل، ثم أن بختيشوع أفرط في أدلاله عليه، فنكبه وقبض أملاكه ووجه به إلى مدينة السلام، وعرض للمتوكل بعد ذلك قولنج، فاستحضره المتوكل واعتذر إليه، وعالجه وبرأ، فأنعم عليه ورضي عنه، وأعاد ما كان له، ثم جرت على بختيشوع حيلة أخرى فنكبه نكبة قبض فيها جميع أملاكه، ووجه به إلى البصرة، وكان سببه الحيلة عليه أن عبد اللَّه استكتب المنتصر أبا العباس الحصيني وكان رديئاً، فاتفقا على قتل المتوكل واستخلاف المنتصر، وقال بختيشوع للوزير كيف استكتبت المنتصر الحصيني وأنت تعرف رداءته؟ فظن عبد اللَّه أن يختيشوع قد وقف على التدبير، فعرف الوزير ما قاله له بختيشوع، وقال أنتم تعلمون كيف محبة بختيشوع له، وأحسب أنه يبطل التدبير فكيف الحيلة؟ فقالوا للمنتصر إذا سكر الخليفة، فخرق ثيابك ولوثها بالدم، وادخل إليه، فإذا قال ما هذا؟ فقل بختيشوع ضرب بيني وبين أخي، فكاد أن يقتل بعضنا بعضاً، وأنا أقول يا أمير المؤمنين، يبعد عنهم، فإنه يقول افعلوا، فتنفيه، فإلى أن يسأل عنه نكون قد فرغنا من الأمر.
ففعل ذلك ونكب وقتل المتوكل ولما استخلف المستعين رد بختيشوع إلى الخدمة وأحسن إليه إحساناً كثيرا، ولما ورد الأمر إلى ابن عبد اللَّه محمد بن الواثق، وهو المهتدي، جرى على حال المتوكل في أنسه بالأطباء وتقديمه إياهم وإحسانه إليهم، وكان يختيشوع لطيف المحل من المهتدي باللَّه، وشكا بختيشوع إلى المهتدي ما أخذ منه في أيام المتوكل، فأمر بأن يدخل إلى سائر الخزائن فكل ما اعترف به فليرد إليه بغير استثمار ولا مراجعة، فلم يبق له شيء إلا أخذه، وأطلق له سائر ما فاته، وحاطه كل الحياطة، وورد على بختيشوع كتاب من صاحبه بمدينة السلام يصف فيها أن سليمان بن عبد اللَّه بن طاهر قد تعرض له لمنازلة، فعرض بختيشوع الكتاب على المهتدي بعد صلاة العتمة، فأمر بإحضار سليمان بن وهب في ذلك الوقت، فحضر، وتقدم إليه بأن يكتب من حضرته إلى سليمان بن عبد اللَّه، بالإنكار عليه لما اتصل به من وكيل بختيشوع، وأن يتقدم إليه بإعزاز منازله وأسبابه بأوكد ما يكون، وأنفذ الكتاب، من وقته، مع أخص خدمه إلى مدينة السلام، وقال بختيشوع للمهتدي في آخر من حضر الدار يا أمير المؤمنين، ما اقتصدت ولا شربت الدواء منذ أربعين سنة، وقد حكم المنجمون بأني أموت في هذه السنة، ولست أغتم لموتي وإنما غمي لمفارقتكم، فكلمه المهتدي بكلام جميل، وقال قلّما يصدق المنجم، فلما انصرف كان آخر العهد به).
له كتاب في الحجامة على طريقة سؤال وجواب.