شرح وتحليل قصيدة (رثاء ابن) لابن الرومي.. تعلق ابن الرومي بابنه



بكاؤكما يشفي وان كان لا يجدي
فجودا فقد أودى نظيركما عندي
ألا قاتل الله المنايا ورميها
من القوم حبات القلوب على عمد
توخى حمام الموت أوسط صبيتي
فلله كيف اختار واسطة العقد
على حين شمت الخير من لمحاته
وآنست من أفعاله آية الرشد
طواه الردى عني فأضحى مزاره
بعيدا على قرب قريبا على بعد
لقد أنجزت فيه المنايا وعيدها
وأخلفت الآمال ما كان من وعد
لقد قل بين المهد واللحد لبثه
فلم ينس عهد المهد إذ ضم في اللحد
ألح عليه النزف حتى أحاله
إلى صفرة الجادي عن حمرة الورد
فيا لك من نفس تساقط انفسا
تساقط در من نظام بلا عقد
وأولادنا مثل الجوارح أيها
فقدناه كان الفاجع البين الفقد
لكل مكان لا يسد اختلاله
مكان أخيه في جزوع ولا جلد
هل العين بعد السمع تكفي مكانه
أم السمع بعد العين يهدي كما تهدي

‌أ) في الأبيات الثلاثة الأولى يورد الشاعر عدة تعابير يجسد فيها منزلة ابنه المتوفى؛ استخرج ثلاثة منها واشرحها مبينا تلك المنزلة وارتباطها بعمق للفاجعة، أو أذكر ثلاث صور تعبر عن مدى تعلق ابن الرومي بابنه واشرحها باختصار؟

‌ب) ما هي الفكرة التي يعبر عنها ابن الرومي في الأبيات 12، 13، 14 وكيف يحاول إثباتها واقناع الآخرين بصدقها؟

‌ج) في الأبيات "الخامس حتى الثامن" تعابير متضادة (مقابلات ضدية) تبرز موضوع القصيدة المركزي: الحزن والفاجعة، استخرج مثالين لتعابير كهذه واشرحها.

‌د) اشرح البيتين 9 و 10 وبين بلاغة الوصف فيهما.
---------------------------

‌أ) في الأبيات الثلاثة الأولى يورد الشاعر عدة تعابير يجسد فيها منزلة ابنه المتوفى ؛ استخرج ثلاثة منها واشرحها مبينا تلك المنزلة وارتباطها بعمق للفاجعة، أو أذكر ثلاث صور تعبر عن مدى تعلق ابن الرومي بابنه واشرحها باختصار؟

أولا- البكاء لا يفيد بإرجاع الميت ولكنه يخفف من وطأة الحزن، ويطلب من عينيه أن تجودا بالدموع لان شبيههما بالمنزلة والمعزة عند ابن الرومي قد هلك.

ثانيا- إن المنايا قاسية قاتلها الله اختارت أعز إنسان عند ابن الرومي فهي تختار حبات القلوب وترميها فتقتلها عن عمد.

ثالثا- اختار الموت ابني الأوسط فأماته حيث اختار أغلى ولد عندي والذي هو بمثابة الجوهرة الثمينة في العقد.

أما الصور الثلاث فهي:
الصورة الأولى:
جودا. فالشاعر يخاطب عينيه حيث شبههما بإنسان وحذف المشبه به وأتى بأحد لوازمه جودا على سبيل الاستعارة المكنية.

الصورة الثانية:
قاتل الله المنايا حيث شبه المنايا بإنسان على سبيل الاستعارة المكنية.

الصورة الثالثة:
حبات القلوب فقد شبه الأولاد بحبات القلوب للتدليل على المحبة والحنان.

ب) ما هي الفكرة التي يعبر عنها ابن الرومي في الأبيات 12، 13، 14 وكيف يحاول إثباتها واقناع الآخرين بصدقها؟

في القصيدة أبيات يغلب عليها أسلوب الإقناع المنطقي المدعوم بالبرهان واقامة الدليل، عين اثنين من هذه الأبيات ثم رتب الأفكار الواردة فيها حسب هذا الأسلوب.

يشرح ابن الرومي لنا سبب رفضه العزاء مدعيا أن العزاء بفقد ولد لا يعوض فالأولاد كالأعضاء في الجسم كل عضو عزيز وغال، كذلك الأبناء فإذا فقدنا عضوا كان أثره بائنا ومؤثرا. لان لكل عضو وظيفة وأهمية فإذا اختل لا يسد العضو الآخر مكانه والبرهان على ذلك هل تسد العين بعد السمع أي هل ترى الأذن إذا فقدت العين وبالعكس فلكل ولد مكانة في قلبه.

‌ج) في الأبيات " الخامس حتى الثامن تعابير متضادة (مقابلات ضدية) تبرز موضوع القصيدة المركزي: الحزن والفاجعة، استخرج مثالين لتعابير كهذه واشرحها.

- المثال الأول:
لقد طواه الردى تحت الأرض فأصبح مزاره بعيدا رغم أن قبره قريب.

- المثال الثاني:
نفذ الموت وعيده فأهلكه بينما الأماني فقد خابت وأخلفت ما يمكن أن يتوقعه الإنسان من خير وسعادة.

- المثال الثالث:
مات هذا الطفل وهو صغير فمنذ رضاعته في مهده وحتى دفنه في لحده لم يمر وقت طويل أي انه مات وهو صغير جدا.

‌د) اشرح البيتين 9 و 10 وبين بلاغة الوصف فيهما.

- البيت التاسع:
كان المرض يفت في جسمه تدريجيا وكان الموت يتغلغل في نفسه شيئا فشيئا وجسمه يذبل تبع لذلك يوما بعد يوم كما يذبل غصن الغار، أما جمال الصورة فهي استعارة مكنية ( تساقط) حيث شبهت النفس بمواد تتكسر وتتناثر أجزاؤها متساقطة وذلك لتصوير مراحل اقتراب الولد من الموت.وبلاغة الوصف في قوله ويذوي كما يذوي القضيب من الرند تتمثل في تشبيه ذبول ابنه بذبول غصن نبات الرند للتدليل على الطراوة والرقة والطيب.

- البيت العاشر:
فيا عجبي من تلك النفس التي حطمها المرض وأخذت أجزاؤها تتساقط كما تتساقط حبات الدر من عقد قد انفرط أو قطع سلكه. جمال الصورة في قوله واسطة العقد (عقد أبنائه) للتدليل على تناثر العائلة وانفراط عقدها بموت ابنه.

قصيدة (رثاء ابن) كاملة:
بكاؤكُما يشْفي وإن كان لا يُجْدي
فجُودا فقد أوْدَى نَظيركُمُا عندي
بُنَيَّ الذي أهْدَتْهُ كَفَّايَ للثَّرَى
فَيَا عِزَّةَ المُهْدَى ويا حَسْرة المُهدِي
ألا قاتَل اللَّهُ المنايا ورَمْيَها
من القَوْمِ حَبَّات القُلوب على عَمْدِ
تَوَخَّى حِمَامُ الموتِ أوْسَطَ صبْيَتي
فلله كيفَ اخْتار وَاسطَةَ العِقْدِ
على حينََ شمْتُ الخيْرَ من لَمَحَاتِهِ
وآنَسْتُ من أفْعاله آيةَ الرُّشدِ
طَوَاهُ الرَّدَى عنِّي فأضحَى مَزَارُهُ
بعيداً على قُرْب قريباً على بُعْدِ
لقد أنْجَزَتْ فيه المنايا وعيدَها
وأخْلَفَتِ الآمالُ ما كان من وعْدِ
لقَد قلَّ بين المهْد واللَّحْد لُبْثُهُ
فلم ينْسَ عهْدَ المهْد إذ ضُمَّ في اللَّحْدِ
تَنَغَّصَ قَبْلَ الرِّيِّ ماءُ حَياتِهِ
وفُجِّعَ منْه بالعُذُوبة والبَرْدِ
ألَحَّ عليه النَّزْفُ حتَّى أحالَهُ
إلى صُفْرَة الجاديِّ عن حُمْرَةِ الوَرْدِ
وظلَّ على الأيْدي تَساقط نَفْسُه
ويذوِي كما يذوي القَضِيبُ من الرَّنْدِ
فَيَالكِ من نَفْس تَسَاقَط أنْفُساً
تساقط درٍّ من نِظَام بلا عقدِ
عجبتُ لقلبي كيف لم ينفَطِرْ لهُ
ولوْ أنَّهُ أقْسى من الحجر الصَّلدِ
بودِّي أني كنتُ قُدِّمْتُ قبْلَهُ
وأن المنايا دُونَهُ صَمَدَتْ صَمْدِي
ولكنَّ ربِّي شاءَ غيرَ مشيئتي
وللرَّبِّ إمْضَاءُ المشيئةِ لا العَبْدِ
وما سرني أن بعْتُهُ بثَوابِه
ولو أنه التَّخْليدُ في جنَّةِ الخُلْدِ
وَلا بِعْتُهُ طَوْعاً ولكنْ غُصِبْته
وليس على ظُلْمِ الحوادِث من مُعْدِي
وإنِّي وإن مُتِّعْتُ بابْنيَّ بَعْده
لَذاكرُه ما حنَّتِ النِّيبُ في نَجْدِ
وأولادُنا مثْلُ الجَوارح أيُّها
فقدْناه كان الفاجِعَ البَيِّنَ الفقدِ
لكلٍّ مكانٌ لا يَسُدُّ اخْتلالَهُ
مكانُ أخيه في جَزُوعٍ ولا جَلدِ
هَلِ العَيْنُ بَعْدَ السَّمْع تكْفِي مكانهُ
أم السَّمْعُ بَعْد العيْنِ يَهْدِي كما تَهْدي
لَعَمْرِي لقد حالَتْ بيَ الحالُ بَعْدَهُ
فَيَا لَيتَ شِعْرِي كيف حالَتْ به بَعْدِي
ثَكِلتُ سُرُوري كُلَّه إذْ ثَكلتُهُ
وأصبحتُ في لذَّاتِ عيْشي أَخَا زُهْدِ
أرَيْحَانَةَ العَيْنَينِ والأَنْفِ والحَشا
ألا لَيْتَ شعري هَلْ تغيَّرْتَ عن عهدي
سأسْقِيكَ ماءَ العيْن ما أسْعَدَتْ به
وإن كانت السُّقْيَا من الدَّمْعِ لا تُجْدِي
أعَيْنَيَّ جُودا لي فقد جُدْتُ للثَّرى
بأنْفِس ممَّا تُسأَلانِ من الرِّفْدِ
أعَيْنيَّ إن لا تُسْعِداني أَلُمْكُمَا
وإن تُسْعداني اليوم تَسْتَوْجبا حَمْدي
عَذَرْتُكُما لو تُشْغَلانِ عن البُكا
بِنَوْمٍ وما نَوْمُ الشَّجِيِّ أخي الجَهْدِ
أقُرَّةَ عيني قدْ أطَلْت بُكاءها
وغادرْتها أقْذَى من الأعينِ الرُّمدِ
أقُرَّةَ عيني لو فَدَى الحَيُّ مَيِّتاً
فَدَيْتُك بالحَوْبَاء أَوَّلَ من يَفْدِي
كأني ما اسْتَمْتَعتُ منك بنظْرة
ولا قُبْلةٍ أحْلَى مَذَاقاً من الشَّهْدِ
كأني ما استمتعتُ منك بِضَمَّةٍ
ولا شمَّةٍ في مَلْعبٍ لك أو مَهْدِ
ألامُ لما أُبْدي عليك من الأسى
وإني لأخفي منه أضعاف ما أُبْدي
محمَّدُ ما شيْءٌ تُوُهِّمَ سَلْوةً
لقلبيَ إلا زاد قلبي من الوجدِ
أرى أخَوَيْكَ الباقِيينِ فإنما
يَكُونان للأَحْزَانِ أوْرَى من الزَّندِ
إذا لَعِبا في ملْعَبٍ لك لذَّعا
فؤادي بمثل النار عنْ غير ما قَصدِ
فما فيهما لي سَلْوَةٌ بَلْ حَزَازَةٌ
يَهِيجانِها دُونِي وأَشْقَى بها وحْدي
وأنتَ وإن أُفْردْتَ في دار وَحْشَةٍ
فإني بدار الأنْسِ في وحْشة الفَرْدِ
أودُّ إذا ما الموتُ أوْفَدَ مَعْشَراً
إلى عَسْكَر الأمْواتِ أنِّي من الوفْدِ
ومن كانَ يَسْتهدِي حَبِيباً هَدِيَّةً
فَطَيْفُ خيَال منك في النوم أسْتَهدي
عليك سلامُ الله مني تحيةً
ومنْ كلِّ غيْثٍ صادِقِ البرْقِ والرَّعْدِ