المولدون والشعر.. التجديد وإظهار الامتياز على قدامى الشعراء والعناية الشديدة بالصنعة اللفظية والمعنوية وإيراد المعاني الغريبة والأخيلة الطريفة



  المولدون أو الموالي هم الذين ‏اعتنقوا الإسلام من نصارى كأمثال بشار بن برد وأبي نواس.
و قيل هم المولودين من أصولٍ غير عربية و تحدثوا العربية.
وهناك رأي يرى بأن المولدين هم الذين فاتهم عصر الاحتجاج و إن كانوا عربًا.

مال الشعراء المولدون إلى التجديد وإظهار امتيازهم على قدامى الشعراء، فاتجهوا إلى العناية الشديدة بالصنعة اللفظية والمعنوية، وكلفوا بإيراد المعاني الغريبة والأخيلة الطريفة، ويمثلهم خير تمثيل بشار بن برد وأبو نواس ومسلم بن الوليد وأبو تمام، وقد تلقفوا ما في الشعر الجاهلي من بديع كان يأتي عفواً، فأكثروا منه في شعرهم وخرجوا على عمود الشعر المعروف عند العرب.

وفضلاً عن ذلك، مال الشعراء المحدثون إلى المبالغة في المعاني وتفخيمها والغلو فيها، وكانت معاني الشعر في العصر العباسي عند أصحاب البديع تتسم بالجدة والطرافة والإغراق في التفكير، والنزوع إلى التجريد، فتعددت أوجه الفهم، وكثرت الشروح والتأويلات أمام الفكرة.

ومسألة غموض المعاني تعدُّ انحرافاً عن طريق الأوائل من الشعراء، وخروجاً على عمود الشعر، ولذلك أثارت النقاد ضد أصحاب مذهب البديع وأبي تمام على وجه الخصوص، وظهرت آثار هذه الثورة بوضوح عند الآمدي والقاضي الجرجاني.

ومما لا شك فيه أن طغيان المديح على الشعر العباسي، وحرص الشعراء على إرضاء الممدوحين، دفعهم إلى التسابق في وصف ممدوحيهم والابتعاد عن معاني القدماء المتعارف عليها في مجال المدح، ولا سبيل للتجديد إلا بتحوير المعاني القديمة بالإضافة إليها، أو نقلها إلى سياقات جديدة، أو بالمبالغة والتهويل، أو بتوليد المعاني الجديدة، وكان أسبق الشعراء المولدين إلى هذا التجديد هو بشار بن برد (من أصول فارسية) وقد سُمِّي أبا المحدثين لأنه نهج لهم سبيل البديع فاتبعوه، وهو على هذا النحو سلك طريقاً لم يُسلك وأحسن فيه، وهو أكثر تصرفاً وأغزر بديعاً.

ولم يكن شعر العرب القديم مثقلا بأنواع البديع، أما عند الشعراء العباسيين فإن رواد مذهب البديع أخذوا. يكثرون منه ويفتنون فيه، فاتسعت عندهم الصورة ومالت إلى التجسيم والتجريد.

لقد افتن بشار وأبو نواس بالبديع، وإن لم يتخذاه مذهباً، ولكن مسلم بن الوليد نمّى هذا المذهب وأبرزه " فهو أول من تكلف البديع من المولدين، وأخذ نفسه بالصنعة.

ويتأثر أبو تمام بمسلم بن الوليد فيغرم بالبديع، ولكنه يزيد على مسلم أنه كان يجدّ في البحث عن الصور الغريبة والاستعارات البعيدة المأخذ مثل قوله:
فَلَوَيْتَ بالمَوْعود أَعْناق الوَرى وحطمْتَ بالإنجاز ظَهْرَ المَوْعِد

بأن جعل للوعد ظهراً، وجعل تحقيق الوعد إلغاء له بتحطيمه، وبالمثل في قوله:
كلُّ يَوْمٍ له وكلُّ أَوَانٍ خُلُقٌ ضاحكٌ ومالٌ كَئيب
فإنه ينزع إلى المطابقة بين الخلق والمال وبين الكآبة والضحك.

و قيل أنهم سموا بالمولدين لأنهم اهتموا بتوليد المعاني الجديدة و أحدثوا في العربية ألفاظًا و أوضاعًا شعرية ليست أصيلةً في تقاليد الشعر العربي القديم.