موقف الإسلام الوسطي في الإرث بين الاشتراكية الشيوعية وبين الرأسمالية والمذاهب التي تقوم بحرية التملك



موقف الإسلام الوسطي في الإرث:

وقف الإسلام موقفـًا وسطـًا بين الاشتراكية الشيوعية، وبين الرأسمالية والمذاهب التي تقوم بحرية التملك، فالاشتراكية في أصولها الأولى ـ من عهد "كارل ماركس" ـ تنكر مبدأ الإرث، وتعتبره ظلمـًا يتنافى مع مبادئ العدالة، فلا تعطي أبناء الميت وأقرباءه شيئـًا مطلقـًا، والرأسمالية وما شابهها من المذاهب الاقتصادية تترك الحرية كاملة للرجل يتصرف في ماله كما يشاء دون ضوابط، فله أن يحرم أقرباءه كلهم من الميراث، وله أن يوصي بماله إلى غريب من صديق أو خادم، وله أن يوصي بماله إلى كلب أو قط لا يعقل أو إلى البغايا وأندية الميسر، وما يشبه ذلك من  الوصايا الغريبة.

التصرف في ثلث المال:

أما الإسلام فقد أعطى للإنسان الحرية في أن يتصرف في ثلث ماله فقط.
فله أن يوصي أو يهب في حدود ثلث، يوصي به لمن يشاء على أن يكون لجهة خير، أو لمن ينتفعون به، ولا تجوز الوصية إلى جهة محرمة، ولا إلى مثل الكلاب والقطط والخيول، أما الثلثان الآخران فهما لأقربائه، أو من تربطه بهم صلة قوية كالأقرباء أو الموالي، وهو حق طبيعي لهم لا يملك المورث التصرف فيه ولا منعهم منه.
وبذلك يكون الإسلام قد حفظ حق الورثة في حياة صاحب المال، فبمجرد نزول مرض الموت بالإنسان فليس له أن يتصرف تصرفـًا يضر بالورثة أو يفوت عليهم حقهم.

الثلث كثير:

عن عامر بن سعد عن أبيه قال: "اشتكيت مع النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في حجة الوداع، حتى إذا أدنفت فدخل عليَّ رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يعودني فقلت: يا رسول الله ما أراني إلا ألم بي، وأنا ذو مالٍ كثير، وإنما يرثني ابنة لي، أفأتصدق بمالي كله؟ قال: "لا" قلت: فنصفه؟ قال: "لا" قلت: فالثلث، قال: "الثلث والثلث كثير، إنك إن تترك ورثتك أغنياء خير من أن تتركهم فقراء يتكففون الناس بأيديهم، وإنك لا تنفق نفقة إلا آجرك الله فيها حتى ما تجعل في فيِّ امرأتك" رواه أبوداود والدارمي.

الإضرار بالورثة:

واشترط الإسلام في صحة الوصية كذلك أن لا يقصد بها مضارَّة الورثة.
فقد روى أبو هريرة ـ رضي الله عنه ـ عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: "إن الرجل ليعمل أو المرأة بطاعة الله ستين سنة، ثم يحضرهما الموت فيضاران في الوصية فتجب لهما النار " ثم قرأ أبو هريرة: (من بعد وصية يُوصى بها أو دَين غير مُضار وصية من الله والله عليم حليم * تلك حدود الله ومن يطع الله ورسوله يدخله جنَّاتٍ تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك الفوز العظيم) [النساء/12-13] والحديث أخرجه الترمذي وأبوداود.
ولذلك فالأولى بصاحب المال القليل أن لا يوصي بشيء من ماله حفظـًا لحق الورثة، سيما إذا كان المال لا يسمح بقضاء حاجات الورثة، وخاصة إذا كان الورثة صغارًا بحاجة إلى تربية ونفقة.