إمكانات المحكي في بعديه المسرود والوصفي في مسرحية "مهرجان المهابيل" لمحمد مسكين



إن المسرحية تحاول، إذن، أن تبقى منسجمة مع طابعها السردي والدرامي في آن واحد.

لذا، فهي بقدر ما تستثمر إمكانات المحكي في بعديه المسرود (حكاية عبد الصمد عن ذهابه إلى المستشفى) والوصفي (وصف المتهمة شهرزاد في المحكمة)، بقدر ما تستغل الإمكانات التي يتيحها اللعب المسرحي، وذلك باعتماد التحول في التشخيص، أو بعبارة أوضح بتبني مفهوم الدور عوض مفهوم الشخصية لإضفاء الدينامية على اللعب والتخلص من صيغة الطبائع الثابتة التي تقوم عليها الشعرية الكلاسيكية (عبد الصمد يتحول بين دور المتهم ودور القاضي في المحكمة).

هذا بالإضافة إلى كشف اللعبة المسرحية اعتمادا على تقنية الراوي الذي يدعو الممثلين في الاستهلال إلى الدخول إلى الخشبة، كما يكشف عن موضوع المسرحية عبر خطاب مباشر موجه إلى الجمهور:
"ع. الصمد: سنبدأ سادتي الكرام جلستنا كما كل واحد يبدأ موته.. ونبدأ عروبتنا كما  نبدأ موتنا.. في الليلة هذه نحاكم عروبتنا.. نحاكم الدم فينا.. نحاكم الوجود فينا.. نحاكم الخيال فينا.. نحاكم ليالينا..".

ولفك رموز كلام الراوي عبد الصمد، وفتح اللعبة على مصراعيها للجمهور وجعلها أكثر شفافية، يتدخل القاضي ليشرح للجمهور ماذا سيجري في المسرحية:
"القاضي: (موجها كلامه للجمهور) ملاقيكم الليلة وبين أحضاني ملف ليس كالملفات.
ملف أبطاله كل الشحاذين ومقطوعي الجذور.. كل الفقراء والضائعة نعالهم.

ومن ضاع نعله  ضاع عقله.. نحاكم الليلة ما يسمى بالليالي.. والمقصود بها أعزكم الله كتاب الألف ليلة وليلة.. وهو كتاب مشبوه كما تعلمون، يتحدث عن النشوة والشهوة وأشياء لا تقال.. كتاب فيه إساءة لتطورنا وحضارتنا.. كتاب يتحدث عن مدن لا تشبه مدينتنا وهي مدينة  العز والعقل والعرفان".
يتعلق الأمر، إذن، بمحاكمة المتخيل العربي مجسدا في حكايات شهرزاد.

وتوضيح ذلك للجمهورهو إشراك له في عملية التفكير والتأمل المتعلق بهذه الحكايات وبمفهوم "الخيال" ذاته باعتباره مكونا أساسيا من مكونات الكتابة المسرحية كما يراها محمد مسكين وكما ينظر لها في بيانه حول " مسرح النفي والشهادة".