المناهج النقدية في النقد العربي الحديث.. الاعتماد على الاستنطاق والتحليل والتأويل وتوفير الظروف المنهجية المناسبة لقراءة النصوص قراءة نقدية فعالة تفكك مكونات النص



في وقت تحاورت فيه المناهج النقدية طويلا في الثقافة الغربية، وفي سواها، واستفادت اللاحقة من السابقة، واستثمرت كشوفاتها، وأدرجتها فيها، وجددتها، حدث العكس في نقدنا الحديث، فصورة النقد ملتبسة لدينا.

فإذا أخذنا الممارسة النقدية في الدرس الجامعي، وجدنا أن كثيرا من الجامعات لم يزل يدرس النقد على أنه جزء من تاريخ الأدب، ويعتمد الشروحات والأحكام، ولم يقترب بعد من المفهوم النظري للنقد الحديث القائم على الاستنطاق والتحليل والتأويل، وتوفير الظروف المنهجية المناسبة لقراءة النصوص قراءة نقدية فعالة تفكك مكونات النص، وتنتج منه معرفة أدبية جديدة تساعد القارئ على تلقيه بطريقة أفضل.

ولعلنا نعثر على هذه الظاهرة في كثير من الجامعات التي تتغذى على فكرة التعليم التقليدي، حيث لا تتوافر مقومات التفكير الحديث، فيما نجد حامعات لم تتبن فكرة الحداثة النقدية فحسب إنما استعارت السياق الثقافي الحاضن لها، فغرقت في المشكلات النظرية للنقد، وتمحّلت في تبني مناهج نقدية بمعزل عن حركة الأدب نفسه.

ونجد في جامعات أخرى أن التعلق بفكرة الأصالة، وإضفاء المعطى الديني على الدرس الأدبي، قد حال دون الإفادة من الأفكار الحديثة التي أفرزتها الحركة النقدية خلال القرن العشرين.

هذه الخلفية الملتبسة لحال النقد لا تفسر الارتباك الحاصل في الدراسات السردية العربية فحسب، إنما تكشف لنا أنها تمربأزمة جدية، فقد انزلقت المجتمعات العربية إلى منطقة ثقافية مشوشة، وانتهى التعليم الجامعي إلى تبني فكرة التلقين، واعتمد مبدأ التلخيص، والاختزال، وليس التمثل، والحوار، والمشاركة، وإنتاج معرفة نقدية جديدة.

ولعل ظهور الدراسات السردية في حقبة التحول هذه حال دون تقدير أهميتها، وتطويرها كمبحث نقدي جديد، وعليه فمن الصعب الحديث عن آفاق محددة للسردية العربية، إنما يمكن الحديث عن جهود فردية لم يقع هضمها وقبولها بصورة كاملة، وأحيانا يقع رفضها واستبعادها.

إلى ذلك لا نكاد نعثر على قواسم مشتركة في الدراسات السردية، بسبب الفوضى في المناهج، والمفاهيم، والتصورات، والخلفيات الفكرية التي يصدر النقاد عنها.