المفاهيم السردية الجديدة.. تضارب التصورات النقدية القائمة أدى إلى بلبلة الحركة النقدية العربية



وقع اختلاف في استيعاب المفاهيم السردية الجديدة، واضطرب أمر ترجمتها إلى العربية.
وهذه الفوضى الاصطلاحية خلقت فوضى منقطعة النظير لدى القراء.

وينبغي التأكيد أن ذلك كان جزءا من الفوضى الاصطلاحية الأدبية الحديثة التي لم يستقر أمرها في الثقافة العربية إلا بصورة جزئية.

فقد اختلف في ترجمة مصطلح Linguistics وعُرّب بمقابلات، كالألسنية، واللسانيات، وعلم اللغة العام، واللغويات، وغير ذلك، وعرب مصطلح (Structuralism) بـ (الهيكلية) أو (البنيوية) وترجم (Poetics) بـ (الإنشائية) أو (الشعرية) أو (فن الشعر).

وترجم مصطلح (deconstruction) بـ (التشريحية) أو (التقويضية) أو (التهديمية)، أو (التفكيكية) أو (التفكيك).
وكذلك بالنسبة إلى (discourse) الذي ترجم بـ (الإنشاء) ثم (الخطاب).

وأخيرا، إذا ما اقتربنا إلى موضوع الدراسات السردية، فإن مصطلح (Narratology) لم يتفق بشأن ترجمته.
إذ ترجم إلى (علم السرد) أو (علم القص) أو (علم الحكاية) أو (نظرية القصة) أو (السرديات).

وهناك من فضل استخدام (السردلوجيا)، وإن كان الأمر انتهى بأن تكون (السردية) هي الأكثر شيوعا بين كل ذلك.

هذا فيما يخص المفاهيم والاتجاهات النقدية الكبرى، فما بالك بالمقولات التي تندرج ضمن هذا المفهوم أو ذاك، أو ضمن هذا التيار أو ذاك!.

وما دامت المفاهيم الكبرى، والمقولات التحليلية، لم يتفق بشأنها معنى وترجمة، فمن  الطبيعي أن تتضارب التصورات النقدية القائمة حولها. ومع أن العقد الأخير شهد نوعا من الاستقرار في استخدام بعض المفاهيم.

لكن الحقبة الأولى من الدراسات السردية شهدت اضطرابا منقطع النظير أدى إلى بلبلة الحركة النقدية العربية، إذ شغل كثيرون بالمفاهيم، والإجراءات التحليلية، ولم تنصرف إلا أقل الجهود للتحليل النقدي الحقيقي.

ولم تظهر موسوعة شاملة للمصطلحات السردية، فلجأ كثير من الباحثين والمترجمين إلى إعداد مسارد بالمصطلحات تظهر ذيولا لكتبهم، ولا نجد فيها أي اتفاق، فالتضارب هو السنة الشائعة في كل ذلك.

وعلى الرغم من ذلك أنجزت السردية مهمة جليلة، إذ خلخلت ركائز النقد التقليدي، ودفعت برؤية جديدة لعلاقة النقد بالأدب، وأزاحت الانطباعات الذاتية إلى الوراء، وزجت بمفاهيم جديدة إلى الممارسة النقدية، وفي بعض الأحيان قدمت أمثلة تحليلية جيدة.

وحالة الاضطراب التي رافقت دخولها إلى النقد العربي الحديث أمر متوقع في ثقافة تموج بالمتناقضات، ولم تفلح بعد في تطوير حوار عميق بين مواردها المتعددة، وينبغي أن نتعامل مع كل ذلك على أنه مقدمات لقبول الأفكار الجديدة، وتكييفها، وإعادة إنتاجها بما يفيد الأدب العربي.

ولقد شهدت حقبة الثمانينيات من القرن الماضي هزة في التصورات النقدية، ولم تزل تتفاعل توابع تلك الهزة، لكن ردة فعل المناهج التقليدية كانت عنيفة أيضا.

وبمرور الوقت خفت التنازع بين الطرفين، ولكن الأفكار الجديدة لم تقبل كما ينبغي، فما زالت صورة النقد السردي متقلبة، ولم تستقر بعد على أرضية متماسكة من الفرضيات والمفاهيم.