العمل في مجموعات.. عملية بناء الذكاء تفترض نوعا من فقدان التوازن التّكيّفي لأنّه عندما تستعصي علينا الحقائق نكون في حاجة إلى مراجعة كيفيّاتنا في التفكير والفعل



بيّنت الدّراسات أنّه عندما تتوفّر في مجموعتين نفس الشّروط بحيث لا تختلفان إلاّ في طريقة العمل، فإن الأطفال الذين يشتغلون جماعيا يحققون تقدما أكبر من الذي يحققه المشتغلون فُرادى.

وليس سبب ذلك هو اقتداء بعضهم ببعض، بل إنّ الاختلاف في وجهات النّظر يجبر الأفراد على إعادة تنظيم مقارباتهم المعرفية، وبذلك تنتج حركية العمل الجماعيّ تقدّما معرفيّا فرديّا.

فالمسألة وفق هذا الطّرح تأخذ "طبيعة اجتماعية في المقام الأول"، لأنّ كلّ واحد سيحاول إثبات وجهة نظره أمام الآخر ومن هنا جاءت عبارة "الصّراع الاجتماعي المعرفي" (Conflit socio-cognitif).

وتستمدّ هذه المواقف والمقولات روحها من تيارين أساسيّن:

1- نموذج "بياجيه" (Piaget) الذي يرى بأن عملية بناء الذكاء تفترض نوعا من فقدان التوازن التّكيّفي: لأنّه عندما تستعصي علينا الحقائق نكون في حاجة إلى مراجعة كيفيّاتنا في التفكير والفعل.

2- عديد البحوث والدراسات التجريببية التي أنجزت أواخر الخمسينات في رحاب علم النفس الاجتماعي لاكتشاف دور الصراع الاجتماعي في تكوين الحكم الفردي. والتي تدعّمت بكتابات النفسانيّ الرّوسيّ "Lev S. Vygotsky" والتي لم يقع ترجمتها إلى الأنجليزية إلا في نهاية السبعينات، وفي بعضها يقول: "في تصوّرنا، الاتجاه الحقيقيّ للتفكير، لا يمشي من الفردي إلى الجماعي، وإنما من الجماعي إلى الفردي".

ومن أهمّ الكتب التي سعت إلى نشر هذا المفهوم "La construction de l'intelligence dans l'interaction sociale".

هنالك أساليب واستراتيجيات كثيرة ومتنوعة لجعل مسار وبناء المجموعة أكثر فعالية، وهنا مهمة الميسر/ة في اختيار الإستراتيجية والأسلوب الذي يتلاءم وهدف اللقاء، ومن هذه الأساليب:

- الأسلوب المنفرد (الفردي):
حيث يقوم الميسر/ة بطرح موضوع أو قضية معينه ويطلب من كل فرد أخذ مساحته والحرية في التفكير والاختلاء بنفسه، وتحديد مدة زمنيه محدد لتلك الفعالية بعدها يتم مناقشة الفعالية مع المجموعة.

- أسلوب من واحد إلى واحد (الثنائي):
هنا يتم تقسيم المجموعة الكبيرة إلى ثنائيين ومهمة الثنائي نقاش موضوع معين أو قضية ما، أو الوصول بقرار معين لقضية ما وإقناع المجموعة بها، وهذا يساعد على التقارب أكثر بين المجموعة والإصغاء إلى آراء وأفكار جديدة وإتاحة المجال لكسر الحواجز بشكل اقل توتر وزيادة الشعور بالألفة والمودة والثقة.

- أسلوب تقسيم مجموعات (مجموعات صغيرة):
هنا يتم تقسيم المجموعة الكبيرة إلى مجموعات صغيرة تكون بمثابة مجموعات عمل أو نقاش موضوع أو قضية ما أو الاشتراك بتحدي معين وعرضه على المجموعة الكبيرة، ويفضل في هذه الفعالية تقسيم المجموعات بشكل متجدد ومتغير بحيث لا تكون كل مره نفس الأفراد بالمجموعة الصغيرة، وهذا له الأهمية في زيادة التفاعل بين المجموعة الكبيرة، زيادة روح التعاون بينهم، والإحساس أكثر بأهمية وقوة مفهوم المجموعة. 

- أسلوب العصف الذهني:
هو أحد الطرق التي تساعد على استكشاف أكبر قدر من الأفكار والمفاهيم والخواطر حول موضوع او قضية ما داخل المجموعة، وهذا يساعد على فهم المحتوى الثقافي والاجتماعي والبيئي للمجموعة ويعطي الأسلوب الأمثل في كيفية الدخول وتحقيق هدف المجموعة بشكل ناجح .

- أسلوب تمثيل الأدوار:
هو أحد الأساليب القيمة في لقاءات المجموعة حيث يتيح للأفراد تمثيل أدوارهم الحقيقية أو أوضاع مروا بها، أو تمثيل آراء أو أدوار وهذا الأسلوب يسمح لهم بارتداء ثياب غيرهم ويفسح المجال للمشاركين في المجموعة لرؤية ذواتهم بالمفاهيم التي يحملونها والسلوكيات التي يسلكونها، وأيضا الإتاحة بالاستكشاف الذاتي يعطي لأفراد المجموعة مساحة وبعدا للتفكير حول مفاهيم وقيم تربوا عليها، وإعادة النظر في تلك المفاهيم وإمكانية تطوير الرؤية النقدية الذاتية حول مواضيع بدت بديهية طبيعية.

مثال: إعتقاد بعض الأهل أن أفضل وسيلة لتربية الأطفال وتعديل سلوكه هو العقاب بشكل عام والجسدي بشكل خاص على أساس أننا تربينا هكذا.