التدريس بالأهداف عند ماجر.. الهدف تعبير عن نية تعلن عن التغيير الذي يرغب المدرس في إحداثه لدى التلميذ



التدريس بالأهداف عند ماجر:

يعد ماجر Mager القطب الذي يمثل بحق التصور الأكثر تطرفا في نموذج التدريس الهادف نظرا لنزعته التبسيطية من جهة وبحثه عن الدقة وهوس الإجرائية بالمعنى السلوكي، من جهة ثانية.
إنه الباحث الذي يشخص بالضبط إلى أي حد يمكن أن يصل هذا التيار وإلى أي مدى، إذا ما نحن سرنا به إلى نهايته، باعتباره يستثمر كل طاقاته في المقولة المتمثلة في المسألة التالية: كيف نصوغ الأهداف وكيف نحددها بالقدر الكافي والذي يجعلن نتأكد من ترسخ وظيفة العقلنة وقيمة الفعالية وهيمنتها على النشاط التعليمي.

كيف نحدد الأهداف التربوية؟

وقبل استعراض بعض أفكاره ونتائج بحوثه والتي ستؤثر كثيرا في هذا التوجه وستطبعه بطابع خاص، لابأس أن نتوقف للحديث عن كتابه الشهير "كيف نحدد الأهداف التربوية" والذي سيصبح "الكتاب الأحمر" بالنسبة لهذه الحركة إن لم نقل دستورها، وخاصة بالنسبة لمن يروم تحديد الأهداف التربوية وصياغتها صياغة إجرائية.
إن كتاب "كيف نحدد الأهداف التربوية"، كتاب صغير الحجم، فعدد صفحاته لا يتعدى 60 صفحة من الحجم الصغير، كتب بلغة سهلة ويوجه فيه ماجر الخطاب إلى القارئ بكيفية مبسطة ولا يخوض في النظريات والخلفيات والمناقشات.
فبعد ساعة واحدة يمكن للقارئ الانتهاء من قراءته بل ويكون قادرا، مبدئيا ونظريا على الأقل، على صياغة الأهداف صياغة إجرائية.
يجعل هذا الكتيب الذي نشره ماجر سنة 1962، كمنطلق له، التعريف التالي للهدف: الهدف هو تعبير عن نية تعلن عن التغيير الذي يرغب المدرس في إحداثه لدى التلميذ أي تخبر بماذا سيكون التلميذ قادرا على إنجازه بعد الانتهاء من الدرس أو من مجموعة من الدروس.

العناصر الرئيسية للهدف:

على أن الهدف، وحتى يكون مقبولا وصحيحا لا بد أن يتوفر في ثلاثة عناصر رئيسية:
  • تحديد نوع السلوك النهائي الذي سيكتسبه التلميذ والذي سيكون قادرا على إنجازه، وهذا التحديد لا يكون بعبارة فضفاضة وكلمات غامضة بل بأفعال محددة وواضحة، يمكن ملاحظة نتائجها، مثل: تعريف، تحديد، تسمية، وضع خط، قطع، شد، جر..
  • تحديد الشروط والظروف أي الإطار والسياق الذي سيتجلى فيه ذلك السلوك النهائي وسيتحقق.
  • تحديد معيار أو معايير النجاح والتفوق، أي أن يتضمن منطوق الهدف تحديدا لمقاييس الإنجاز حتى يكون إنجازا مقبولا. بمعنى تحديد قيمة المهام وجودة الأعمال التي سينجزها التلميذ من حيث الكم والكيف.

أسباب صياغة الأهداف ومغازي تحديدها في عبارات سلوكية:

أما دواعي صياغة الأهداف ومغازي تحديدها في عبارات سلوكية فيمكن تلخيصها في النقاط التالية:
  • الرغبة في التقليل من غموض الأهداف التربوية، حتى يتم الوضوح التام في التواصل التعليمي. إن التدريس، كما هو معلوم، عملية تواصلية بالدرجة الأولى فيها مرسل الرسالة ومستقبل، وهي لذلك تحتاج إلى أكبر قدر ممكن من الوضوح.
  • الرغبة في وضع مخططات محددة لتنظيم التعليم.
  • البحث عن الفعالية وتحسين الجودة والمردودية في النشاط التربوي.

الهدف إجرائي:

إن الهدف حسب ماجر والذي يمثل النزعة السلوكية خير تمثيل، لا بد أن يكون إجرائيا، بمعنى لا  بد أن يكون قادرا على إنجازه بعد الانتهاء من كل ومن كل تعليم.
وهو هدف إجرائي كلما طابق محتواه ما في ذهن صاحبه وما في ذهن مستمعه.
وهذا معنى قولنا بأن الهدف ينبغي أن يكون من الوضوح والشفافية بحيث لا يختلف إثنان في تعريفه وتصور معناه، فإذا قال أحدهما الطائر فلا يتصور الثاني الطائرة بل لا بد أن يتصورا نفس الشيء.
وحتى تتحقق تلك الشفافية ينبغي أن يعبر الهدف عن إنجازات التلميذ، أي الأجراءات التي سيكون قادرا على القيام بها، وأن يعبر كما أسلفنا، عن الشروط أو الظروف التي يجب أن يتم فيها ذلك الإنجاز ويظهر.
وأن يحدد في الوقت ذاته المستوى الأدنى للإنجاز والذي سيصلح كمعيار للحكم على مدى تحقق الهدف أم عدم تحققه.

أفعال الفعل والعمل:

إن العبارات أو الكلمات التي تعبر أفضل عن التحقق والإنجاز، هي أفعال السلوك "أفعال الفعل والعمل"، مثل: يكتب، ينطق، يختار، يحل، يقارن، ينشئ، يبتسم، يمسك، يقفز... أي الأفعال التي يمكن مشاهدتها وقياسها.
ولا ينبغي أن نعبر بكلمات أو "أفعال داخلية" من مثل على التلميذ أن "يفهم" أو "يتعلم" أو "يتذوق" الأدب مثلا، فهذه أفعال لا يمكن ملاحظتها، بل لا بد لها من مؤشرات ودلالات تدل على حصولها.
فحتى نعرف هل فهم التلميذ لا بد أن يقوم بما من شأنه أن يثبت، بما لا يدع مجالا للشك، بأنه فهم أو تعلم أو تذوق.

شروط وظروف الإنجاز:

ولذلك فمن الضروري ألا نعبر في صياغتنا للهدف عن الإنجاز فحسب، بل وأيضا عن شروط الإنجاز والظروف التي سيتم فيها، وماهي الوسائل التي ستكون أم لا، في متناول التلميذ عند إنجازه وفي أية ظروف سيظهر سلوكه النهائي.
هل سيقفز بالاعتماد على العصا أم لا، هل سيمزق باستعمال أنيابه، هل سينجز عملية الضرب باعتماده على جدول الضرب..إلخ.
ولنا في الصياغة التالية مثالا عن الهدف المحدد:
" انطلاقا من لائحة بـــ35 عنصرا كيماويا، على التلميذ أن يتذكر ويسجل تكافؤ مكونات (ذرات) 30 عنصرا على الأقل، دون أن يراجع أي كتاب في الموضوع".

قواعد صياغة الهدف:

نلاحظ في هذا الهدف توفر القواعد التي تحثنا عنها.
ففيه يتم التعبير عن إنجاز التلميذ، أي الإنجاز الذي يكون قادرا على تنفيذه " التذكر والكتابة"، كما يصرح بالشروط عند ذكره "انطلاقا من 35 عنصرأ... ودون الاعتماد على  أي مرجع "، كما يحدد المستوى الأدنى للنجاح في الإنجاز أي معيار التفوق "30 عنصرا" أي بكتابة التلميذ تكافؤ مكونات 30 عنصرا سيكون قد حقق المطلوب.
ولا يفوتنا أن نشير هنا، إلى الصعوبة التي تكمن في محاولة اشتقاق الأهداف العامة. وقد استعرض برزياBirzea  أساليب كثيرة (13 أسلوب) وبالتالي قواعد كثيرة للانتقال من الأهداف العامة إلى الأهداف الخاصة أو الإجرائية، والتي طورها الباحثون كل حسب وجهة نظره الخاصة أو حسب تصوره أو النموذج الذي يستلهمه.

التعبير عن السلوك النهائي:

وقد اقتصرنا هنا على التذكير بقواعد ماجر التي استعرضها في كتابه "كيف نحدد الأهداف التربوية". المهم ومهما كانت طريقة الأجرأة، فالتوجه أصبح واضحا نحو التقنية ونحو الشكل، تقنية وشكل تحديد الأهداف حتى تعبر عن السلوك النهائي (أي الخارج أو الحصيلة) والذي سينجزه التلميذ عند الانتهاء من التعليم.
إن ما يسعى إليه ماجر، من قواعده لتحديد الأهداف بالدرجة الأولى، هو تمكين المدرسين في إطار منظور التدريس الهادف، من أداة فعالة للتعلم وبسرعة بأقل من تكلفة ممكنة، تعلم أسلوب لتحديد الأهداف وصياغتها وأجرأتها.

مصادر الأهداف:

أما ما يمكن أن يطرحه هؤلاء من تساؤلات عن مصدر الأهداف وخلفياتها ومن مناقشات نظرية وكل الطروحات التي تحيل على مشكلة الأصول والأسس الفلسفية والاجتماعية والعلمية وغيرها، فلا يعيرها كبير عناية. ففي تقديمه لكتابه السالف الذكر"Praparing Instructional Objecties " يقول:
"إن هذا الكتاب لا يهتم بفلسفة التربية ولا بمن يختار الأهداف ويقررها، كما لا يهتم بما هي الأهداف التي يجب أن يتم اختيارها....".
بطبيعة الحال للمؤلف كامل الصلاحية في أن يحصر مجال اهتمامه، كما يحدد الباحث موضوع بحثه، (وهو مجال تقني محض بالنسبة لماجر).
وتأثير بوبيت واضح بهذا الخصوص، والذي كان يعتقد بضرورة توزيع المهام في مجال التدريس مثلما هو الأمر في مجال الإنتاج الصناعي.
بحيث يختص المخططون والمبرمجون في اختيار الأهداف في حين يكتفي المدرسون بالتطبيق والتنفيذ.

برمجة المدرس:

فهل يصح ذلك؟
هل يصح ذلك في هذه المسألة بالذات، أي في مسألة معرفة مصدر الأهداف وما ترومه من غايات ومثل عليا؟...
فهل يمكن أن "نبرمج المدرس" كما نبرمج الحاسوب، ونختزل عمله في تقنيات محددة بدقة متناهية ما عليه إلا أن ينفذها بدقة متناهية، وينتهي كل شيء؟
إن مثل هذا الطرح يعني ببساطة سلخ التعليم وتجريده من قيمه ومن مقوماته المعيارية كي يصير في نهاية المطاف، جسدا بدون روح.
إن ما يهم ماجر هو هل سيتحقق الهدف أم لا، أي هل الهدف من حيث تحديده وشروط صياغته... قابل  للتحقق في سلوك التلميذ أم لا؟
هذا هو السؤال ولا مكان على ما يبدو، لاهتمامات أخرى.
وهكذا نلاحظ أن ما سيطغى على منظور التدريس الهادف خاصة مع ماجر، هو الآلية والمكننة (الفكر المنني إذا صح هذا التعبير) وهو توجه مغرق في التقنية، والذي أصبح هاجسه وديدانه هو البحث عن كيفية الانتقال من الأهداف العامة (الغايات) إلى الأهداف الخاصة (الإجرائية) والتخطيط المحكم للنشاط البيداغوجي داخل الأقسام وداخل المؤسسات، تخطيط ينبني جملة وتفصيلا على التعيين الدقيق والمستمر للأهداف التربوية.

متوالية ميكانيكية:

إن المرامي تحلل بناء على هذا التوجه المتشدد -الذي يحمل ماجر رايته- إلى خطوات جزئية.
كما تحدد المهام والمهارات والواجبات الدراسية ومختلف أنشطة التعلم، بدقة متناهية.
وهكذا نكون أمام عالم محكم البنيات واضح المعالم متناسق الكيان يعمل مثل الساعة، ويمكن التكهن بنتائجه وقياسها بدقة عالية.
وتصبح التقنية البيداغوجية " متوالية ميكانيكية" أي سلسلة من الخطوات والحركات ولإجراءات التي تتحرك وتسير في اتجاه مرسوم.
ويكون المعلم فيها مثل رجل الفضاء يجر كوكبه الصناعي بخطوات مدروسة وبحركات مبرمجة محسوبة نحو القمر.