التعدد المعنوي.. الدلالة المعرفية والدلالة اللسانية وتعدد المعاني المرتبطة بالحالات المختلفة لوحدة دلالية معينة



تتقاسم كل من الدلالة المعرفية والدلالة اللسانية مبحثا دلاليا مركزيا يتعلق بتعدد المعاني المرتبطة بالحالات المختلفة لوحدة دلالية معينة.
ومن ثم، نعتبر، في مرحلة أولى، أطروحات الدلالة المعرفية بخصوص هذا المبحث مدخلا أساسيا لتحديد الإطار المعرفي لتعدد المعاني في بعض الأوجه البلاغية الزمنية، ومنها "الجناسات".
وبذلك، يمكن إدراج التعدد المعنوي في إطار مقولات المعاني (Categories of senses)، حيث كلمة واحدة أو كلمات متشابهة في اللفظ تتوفر على أكثر من معنى.
فقد لاحظ فيلمور 1982 أ على سبيل المثال، أن الصفة: Long، تتوفر على معنيين؛ واحد فضائي والآخر زمني. لكن المعنى الفضائي يأخذ به عامة باعتباره شاهدا أمثلا، ويرتبط به المعنى الزمني بواسطة الاستعارة.
ومن هنا، فمعنى الكلمة في مجالها الأصلي يشكل الأساس، كأن يمثل المجال الفضائي المجال الأصلي لكلمة: UP في اللغة الإنجليزية:
The rocket went up_5  
أما ميدانها - الهدف الذي تحول إليه فيتعلق بالمشاعر في الجملة التالية:
I’m feeling up today_6 
حيث إن معنى كلمة UP هنا،  هو: سعيد.
ونفس التحويل نجده في الجملتين التاليتين:
  _7 رحبة رحبة.
_8  فاطمة رحبة الصدر.
ذلك أن الوحدة الدلالية 'رحبة ' انتقلت من المجال الفضائي في الجملة (7) إلى مجال المشاعر في الجملة (8)، إذ شكلت الكناية أداة للربط بين المعنيين بواسطة تعيين المجال الأول للثاني.
   وتقوم الأطر بالمعنى الذي قدمناه آنفا، بوظيفة أساسية في تعدد المعنى انطلاقا من تجارب الإنسان المبنية بطريقة ذات معنى. وهكذا تتعدد الأطر وتتعدد المعاني، إذ نجد، مثلا،  الإطار - الحاوية الذي يتكون من التمييز الجسمي بين الداخل / الخارج، حيث نعتبر أجسامنا حاويات؛ أي نأخذ الهواء إلى داخل أفواهنا ونخرجه منها، كما ندخل بالأجسام إلى الأغطية، بل يدخل الإنسان زواجا ويخرج منه بالمعنى الاستعاري.
ثم هناك الإطار الجزئي-الكلي الذي يحيل على تجاربنا باعتبارها ناتجة عن وجود كلي مع استعمال أجزاء من الجسم الإنساني. وبذلك، نجرب أجسامنا، باعتبارها كليات، مع جزئيات. ولكي نحيط بالعالم لا بد من الوعي بالبنية الجزئية - الكلية للأشياء الأخرى.
واستعاريا، ينظر إلى العائلات على أساس أنها كل مع أجزاء، وينظر إلى الزواج باعتباره تكوينا للأسرة: الكل، مع الشريك: الجزء.  
ومن الأطر المتعددة التي تتوفر على معان في حياة الإنسان، نجد إطار الطريق - الهدف، وإطار الفوق - الأسفل، وإطار الأمام - الوراء... الخ، فهي أطر تؤكد بأن العقل الإنساني يستند إلى تجارب الإنسان الجسدية، كما يستند إلى الاستعارة التي تضع تلك الأطر في ميادين مجردة.
وهذا يعني، في نظرنا، أن تلك الأطر تمثل الأسس الدلالية الكلية لتجارب الإنسان. وبذلك يجوز الحديث عن مقومات(Sèmes) كلية تؤطر التجربة الإنسانية بشكل عام.
وهذا ما يجعل أطروحتنا تختلف مع التصور الدلالي اللساني (راستيي 1987) الذي ينفي وجود مثل تلك المقومات. 
لقد دافع كل من يلمسليق و ياكبسون عن فكرة وجود بعض المقومات التي تمكن من وصف محتوى كل اللغات. كما أن كاتز (1971)، طرح مسألة وجود مقولات دلالية لكل اللغات من خلال مفهوم الأفكار الفطرية.
لكن راستي (1987) قد اعترض على مثل هذه الأطروحات بقوله إن المقومات تحدد العلاقات بين الوحدات المعجمية، وبالتالي فإن اللغات تمعجم التجارب المتبادلة والشائعة، مما يجعل المقومات خاصة بلغة معينة.
هذا، إضافة إلى أن المقومات وحدات لغوية بينما الكليات ذات مستوى تجريدي؛ ما فوق لغوي.
   يمكن نقد هذا التصور بالنظر إلى الإطار المعرفي الذي اعتمدناه آنفا، الذي يمكن في ضوئه ربط المقومات بالأطر، وبالتالي، بالنماذج المعرفية المؤمثلة.
وهذا ما يجعل كل المقومات بمثابة تمثيل ذهني للعالم. ثم إن القول بأن المقومات ذات طابع سياقي لا يعني عدم توفر بعضها على خاصية الكلية بالمعنى الذي يجعلها كليات ناتجة عن التجارب الإنسانية المشتركة.
   غير أننا لا نتبنى هذا المفهوم (المقومات الكلية ) بمعنى أصول وكليات النظرية الدلالية (مارتان 1976 و 1983، وبوتيي 1980 أ) حيث يفهم المقوم الكلي، في هذا السياق، بمعنى اللغة الواصفة الدلالية التي يتم استدعاؤها بحسب استراتيجية المحلل - القارئ، والتي تشكل كليات المنهج المساعدة على بناء النماذج.
   وهكذا، نؤكد على توفر جميع اللغات على كليات دلالية يمكن تحليلها بواسطة المقومات انطلاقا من وجود ثوابت إنسانية، بحيث إن التحليل التشاكلي (القائم على التحليل بالمقومات يتجاوز مهمة إثبات انسجام الرسالة إلى الكشف عن بعض الثوابت الانتربولوجية مثل ثنائية: الطبيعي / الثقافي الحياة / الموت (....) (و) إذا ما أخذنا بمقترحات الظاهراتية التجربانية فإن فرضية انسجام النص تصبح تحصيل حاصل لأن أي نص يدور حول تلك الثوابت، وهي هي، مهما اختلفت الثقافات والموضوعات، وتبعا لهذا فإن المفردات مترا دفة ومتداخلة ترادفا وتداخلا شاملين.
لهذا يمكن تنويع مقولة: الحياة / الممات؛ الطبيعي / الثقافي إلى: الحرب / السلم؛ السيولة / الصلابة؛ الشهوات / الزهادة ؛ الانفعالات / اللا إكثرات ؛ التدين / الإلحاد؛ التملك / رفع الحيازة ..).
ومن هنا، يمكن إعادة بناء تعريف المقومات على النحو الآتي:
- المقومات مجموعة من الخصائص الدلالية المميزة لوحدات دلالية ما، في سياق تواصلي ما، وضمن شروط ضرورية مناسبة لنماذج معرفية مؤمثلة خاصة ببنية اجتماعية معينة. والمقومات بذلك، قد تنتج عن النسق الوظيفي للغة أو عن المعايير الذاتية والاجتماعية أوعن الكليات البشرية (الإنسانية ) مما يسمح بوجود نسق أو أنساق للتعدد المعنوي حتى داخل النسق اللغوي الواحد. 
والواضح، كذلك، أن تعدد الأطر، مرتبط بتعدد التجارب الإنسانية وتناظرها، كما أن وجود علاقات طبيعية داخل الصورة - الإطار تكون باعثة على تعدد المعاني، وذلك من حالة إلى أخرى في المعجم إذ يمكن توظيف الكلمة الواحدة بواسطة إطارين؛ إطار الطريق، مثلا، وإطار النهاية، كما هو بين في الجملتين التاليتين:
   _9 كان خالد يسير فوق الجبل (الطريق).
   _10 كان خالد يستريح فوق الجبل (النهاية).