القصة القصيرة/ القصة القصيرة جدا.. الأقصوصة شكل فني أصغر من القصة القصيرة وله أصوله وقواعده الخاصة



مثلما عد كثير من النقاد أن الأقصوصة والقصة القصيرة تسميتين لنوع أدبي واحد فقد عد بعضهم الأقصوصة والقصة والقصيرة جدا تسميتين لنوع واحد.

فبعد الملف الذي أعده الناقد طرّاد الكبيسي عن القصة القصيرة جدا، صدر كتيب صغير يحمل عنوان (فن كتابة الأقصوصة)، أوضح المترجم في مقدمته أن (الأقصوصة شكل فني أصغر من القصة القصيرة وله أصوله وقواعده الخاصة)، ولم ترد الأقصوصة في المقالات العشر التي احتواها الكتيب إلا بمعنى القصة القصيرة جدا.

ولو حاولنا تفكيك هذا الاسم الاصطلاحي (قصة قصيرة جدا) لوجدناه يتكون من ثلاث كلمات، تحمل الأولى دلالة نوعية، وتحمل الاخريتان دلالات كمية، ما يعني أنهما غير قادرتين على إيجاد علاقات لغوية منطقية بينهما في سياق البحث الاصطلاحي للنوع الأدبي إلا بالارتباط بالكلمة الأولى.

إن تلاحق الكلمتين الثانية  (القصيرة) والثالثة (جدا)، يعطي الدلالة الكمية للكلمة الثانية، شكل الدلالة النوعية، فذلك مجرد شكل ومجرد انعكاس يبقى مشروطا بالارتباط بالكلمة الأولى (القصة) والأصل في فهم (قصة قصيرة جدا) يتحقق من تأليف ثلاث كلمات، تشير الأولى والثانية إلى نوع أدبي راسخ ومتميز من حيث تقنياته الجمالية هو (القصة القصيرة).

أما اللاحقة (جدا) فإنها تشكل مع التآلف الاصطلاحي للمفردتين الأوليين (القصة القصيرة) التآلف الاصطلاحي الجديد الذي يشير إلى نوع أدبي هو (القصة القصيرة جدا) وهذا يثيرالتباسا يحيل إلى هيمنة القصة القصيرة، فبدلا من الإشارة إلى تسميتها وهويتها كنوع أدبي مستقل نراه يعكس إشارة إلى روابط قرابة وثيقة مع القصة القصيرة.

ويحيلنا هذا الالتباس إلى القول بأنها نوع من أنواع القصة القصيرة، وليس في هذا من سوء إلا أنه يقودنا إلى تعسف نقدي، وتعسف نظري، فمثل هذا القول يجعل التعيينات النوعية الجمالية للقصة القصيرة، هي ذاتها، التعيينات النوعية والجمالية للقصة القصيرة جدا.

إذن المسألة ليست مجرد تسمية كيفما اتفق وإنما مسألة بنية وتقنيات وأركان مكونة، بالتأكيد ثمة عناصر وتقنيات وأركان يستفاد منها في النوعين لكن بطريقة الإفادة، طريقة التوظيف، دور السياق المختلف.

فالتشابه لا يعني فقدان الهوية والخصوصية أما توسيع المفاهيم كثيرا بحجة الحرية فسيجر إلى شيء من الانفلات).

وتتفق آراء القاص عدنان كنفاني مع آراء الناقد ياسر قبيلات في أن مصطلح قصة قصيرة جدا لا يعني أن من طرحوه يبتدعون لونا أو منهجا أو جنسا أدبيا جديدا، ولعل الكلمة الوحيدة المبتدعة والتي أثارت جدلا بدأ ولم ينته كلمة (جدا).

فما هي التعيينات الجمالية التي تمنح هذا النوع تسمية ما تتطابق مع سماته العامة أو تختلف معها؟

إذا كانت التسمية هي انتماء وفاعلية فإن القصة القصيرة جدا ترفض تسميتها التلقائية وغير المبررة أحيانا، ويعضد هذا الانتماء وهذه الفاعلية في تحديد هويتها خصوصيات معينة لا ترتبط بالاجترار والتكرار قدر ارتباطها بحساسية تشترط صيرورة البنى الاجتماعية وحمولاتها المتشظية في واقع تحولت فيه من - أداة لهتك الأكاذيب الكبيرة التي تخنق الضمير العربي، تعرية لهذا السكوت عنه، الذي هو الحقيقة - إلى التقاط المفارقات، ورسم صورة كاريكاتيرية سريعة، ونافذة لحالة ما، واللدغ على عجل، بصور مكثفة موحية، واقتصاد في اللغة، وإيجاز شديد في سرد التفاصيل، ودمج كل ذلك في جو من المفارقة الشعرية الساخرة.

إذن محاولة التأسيس لنوع أدبي جديد يتوقف على تشخيص المحددات التي  تفرق بين  جماليات كتابة نوع سائد ومألوف وآلياتها، وبين نوع يبتكر تعيينات جديدة لصوغ قول جديد تبلغ نسبة التداخل بينهما درجة الالتباس المحير الذي يؤدي إلى الشك أحيانا.

فالناقد عبدالله أبو هيف، يستخدم هذه التسمية بحذر يشوبه الشك؛ لأنها إن نفعت –على حد تعبيره- في الاصطلاح النقدي، فإن القصر فيها لا يعود إلا إلى (مظهر خارجي ينبغي أن يتعاضد مع مكونات داخلية للتحليل بوساطة اللغة، فهي تستخدم قولها ليس من خصيصة القصر، بل من طوابع أخرى مثل طابع الشذرة مما فيها من تأمل فلسفي وطابع تجنيح اللغة اندغاما بالشعرية والأسطرة وهذا هو حال الكتابة القصصية القصيرة جدا الجيدة).

وبعد تمحيصه عناصر القص، يستنتج أن طول القصة أو قصرها هو أحد العناصر، وأنه لا يتحكم بالعناصر الأخرى مثل تنامي الفعلية (التحفيز) أو تعدد الوحدات القصصية الأصغر (الحوافز) أو اندراج المكونات السردية في بنية سردية أشمل أي علاقة البنية الصغرى بالبنية الكبرى للسرد.

وما الطول والقصر سوى (حاجة وظيفية تحالفت مع عناصر السرد الأخرى مثل الكثافة والبلاغة وما يعين على ضبط المتن الحكائي وإغنائه بعوامل التأثير الإتصالي والدلالي مثل المجاز العقلي والمفارقة والسخرية والدعابية (السخرية المريرة) والانزياح والتميز والتوتر والإيقاع مما يندغم في شعرية السرد من اقرب السبل، إذ ينبغي أن يشحن سرد القصة القصيرة جدا باللغة الموحية التي  تضمن في بلاغتها تحفيزا دالا على منظور سردي ملموس بشكل ما ومعبر عن أغراضه).

من هنا لا يمكننا حصر (القصيرة) أو (القصيرة جدا) في حيز جغرافي (طباعي) أو مفهوم حجمي (كمي) لأنهما يرتبطان بالسرعة الداخلية للنص.

يقول خوثي خيمينيث لوتانو (أن لكل نوع من السرد درجة عالية داخلية خاصة به أو ما يسمى tempo أي درجة سرعة في غناء مقطع موسيقي، والقصة القصيرة جدا لها سرعة خاصة بها، ولها توتر آخر. وهي تعتمد على المحذوف، والتشذيب، والتركيب، والمقتصد، والبنية الموجزة الدقيقة، والمعمقة).