القصة القصيرة نوعا أدبيا.. بؤرة رمزية وعلاقات مجازية ونظام إيقاعي وتوظيف النسق الحكائي أو الحدث القصصي



في عصر همش فيه الإنسان وسلبت إرادته تحت ضغط الآلة الحديثة بكل افرازاتها وتداعياتها وفي ظل المعطيات الجديدة التي أنتجتها حركية الحياة المتسارعة وإيقاعها اللاهث وراء المتغيرات الخطيرة من انهيارات المنظومات الفكرية، والتوازنات السياسية والعسكرية وما رافقها من تغير حاد في الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، في عصر كهذا ولدت قيم ومفاهيم جديدة تحت وطأة اليأس والاغتراب، وانحراف نسقية الواقع فاحتاج الأديب إلى معايير وخصائص فنية جديدة لها سمات عصرها، تؤسس عالما متخيلا بانحراف نسقي مماثل، ينهض بالجهد والمعاناة التي هيأتها هذه المستجدات؛ ليعبر عن (قلق الإنسان وآماله وتجاربه ولحظاته وتأملاته).

والقصة كغيرها من الأنواع الأدبية التي استطاعت بما تمتلكه من مؤهلات بنائية أن تعبر عن المرحلة أو اللحظة التي يعيشها الإنسان، وتساير حركية المجتمع وتغيراته، وتبعا لذلك فقد تغيرت المسارات القصصية منذ العقود الأربعة الأخيرة من القرن العشرين والى الآن.

إذ حاول التجريب تخطي كل ما هو سائد ونمطي وتجاوز كل ما يقود إلى الاجترار والتكرار (لخلق هزة تؤدي إلى تغيير في شعور القارئ) فحدث أن تغيرت (البداية- الوسط (العقدة)- النهاية) واتجهت نحو متغير جمالي جديد ولم تعد هناك ضرورة لتوفر القصة على الحدث أو تحول الحدث عن معناه المعروف فأصبحت القصة تفرض تجربة نفسية أو مجموعة من اللحظات في ذهن الإنسان.

وأصبحنا أمام كتابة تترك كل شيء للبحث وإعادة التأسيس واقتربت لغة القصة من اللغة الشعرية ذات الإيحاءات مستخدمة تيار الوعي أو الشعور لرسم الشخصية واستبطانها من الداخل ووصف المواقف بدلا من السرد التقليدي.

وارتبك التسلسل الزمني وتداخلت الأزمنة تداخلا عجيبا وفرضت هذه المتغيرات الجمالية وعيها الجديد على النتاج القصصي بتقنياته الجديدة وأسسه الجمالية وخصائصه النوعية.

واتفق كل ذلك مع هيمنة الوسائل التقنية والمعلوماتية الحديثة على مجمل التعامل الإنساني فحصلت التفاتة إلى نوع جديد من الكتابة القصصية غاية في القصر اعتنت بتقانات الجملة ودفعتها باتجاهات تتناسب ومعطيات المناخ الداخلي لهذه الكتابات فكان التكثيف اللغوي، واختزال المضمون، وخيبة أفق الانتظار الذي يتوقعه القارئ، وهيمنة عنصر المفارقة على باقي المكونات، وانزياح  المعنى والتداخل الاجناسي من السمات الطاغية في مسيرتها التي ميزتها من غيرها.