شروط النقد البنيوي.. تذوق النص وفَهم العلاقات الداخلية التي يتكون منها النسق أو النظام واعتباره حديثا يخضع لمعايير التحليل البنيوية



شروط النقد البنيوي:

يقوم النقد البنيوي على تحليل النصوص، وذلك ليحلل هذه الأعمال وهو بذلك يحاول تفسير النص نفسه، دون أن يلجأ إلى ما يدور حول النص من تاريخية أو اجتماعية أو سياسية أو نفسية.
وليس هذا التفسير يُعبِّر عن قصور الأدب في التعبير عن نفسهِ، ولكن هو اكتشاف لغة ثانية تختلف عن اللغة الأولى، أي اشتقاق أو توليد معنى معين اشتقاقًا من الشكل الذي هو الأثر الأدبي نفسه.

الشروط الرمزية للعمل الأدبي:

فأول شروط النقد هو اعتبار العمل كله دالاً، إذ إن أية قواعد نحوية لا تشرح جميع الجمل فهي ناقصة ولا يُكمِّلُ أيُّ نظامٍ للمعنى ووظيفته أن لم تعثر كل الكلمات فيه على وضعها ومكانها المفهوم.
وإذا كان الكاتب عالمًا فإن الناقد يجرب أمامه ما سبق أن جربه الكاتب أمام العالم، أي أنه ينبغي أن يرى نفس الاتجاه دون أن يتحول عمله إلى تجربة شخصية نظرًا؛ لأنه محكوم بقواعد الرمز ومنطق العمل نفسه، كما أن معيار العمل النقدي هو الدقة.
وهكذا فإن الناقد كي يقول الحقيقة لا بد أن يكون دقيقًا في محاولته لوصف الشروط الرمزية للعمل الأدبي.

اكتشاف نظام النص:

وأما على الصعيد النقدي فتهدف البنيوية إلى اكتشاف نظام النص، أي بنيته الأساسية ومن ثَّم ترفض أن يتجه النقد إلى الكشف عن الوظيفة الاجتماعية للنص أو ما يتصل بالجوانب الإبداعية للغة والكاتب.
ولهذا فإن وظيفة النقد البنيوي تنحصر في قضية التذوق والفَهم، والسبب في ذلك؛ لأنها تدعو إلى نقد النص نفسه دون اللجوء إلى سياقه الخارجي، فهي تدعو بذلك إلى تذوق النص وفَهم العلاقات الداخلية التي يتكون منها النسق أو النظام.

معايير التحليل البنيوية:

كما أن النقد البنيوي يدفع بالناقد إلى ضرب من الوضعية الأمر الذي جعله يتخلى عن النظر إلى الأثر الأدبي نظرة مرتبطة بتاريخهِ الاجتماعي أو النفسي، وهذا يدل على وجود رغبة قوية لدى الناقد على اعتبار الأثر الأدبي مقال أو خطاب، أو حديث يخضع لمعايير التحليل البنيوية.
وأن النقد ولغويته منطقية يقوم عليها ويعتمدان على علاقة لغة الناقد بلغة المؤلف الذب يحلله، وعلاقة لغة هذا المؤلف المفقود بالعالم نفسه، واحتكاك هاتين اللغتين هو الذي يولد شرارة النقد ويكشف عن شبهه الشديد بنوع آخر من النشاط الذهني، الذي يعتمد على التمييز بين هذين النوعين من اللغة وهو المنطق، ويترتب على هذا أن النقد ليس سوى ما وراء اللغة وأن مهمته لا تصبح حينئذٍ اكتشاف الحقائق بل تبحث عن الصلاحيات.

تركيب العمل الأدبي:

فالتحليل البنائي لا يقوم بوصف الأعمال الأدبية بالجودة والرداءة وإنما يحاول إبراز كيفية تركيبه، والمعاني التي تكتسبها عناصره تتألف على هذا النحو فالشكل عند البنائية تجربة تبدأ بالنص وتنتهي معه، وكلما مضينا في القراءة التحليلية تكشف لنا أبنية العمل الأدبي.
ونلحظ مما سبق بأن النقد البنيوي قد أخذ طابع التحليل وليس التقييم، وهذا يُعني بأن يحلل البنى والعناصر الداخلية ويفككها إلى عناصر بسيطة وينظر في العلاقات العلائقية القائمة بينها.
وهذا يقودنا إلى القول بأن جوهر العمل الأدبي هو التحليل وليس التقويم، إذ ليس من أهداف هذا النقد أن يصف عملاً بالجودة وآخر بالرداءة، وإنما هدفه الأساسي هو كيفية تركيب العمل الأدبي.

العمل الأدبي كل واحد:

إذن فإن النقد البنيوي يتمركز حول النص ويعزله عن كل شيء، من مثل المؤلف والمجتمع والظروف التي نشأ فيها، ويرى أن الواقع الذي يقوم عليه الأدب لا يخرج عن الخطاب أو اللغة، فالعمل الأدبي كله دال.
وهذا يعني أن النقد البنيوي يعد العمل الأدبي كلاً واحدًا مكونًا من عناصر مختلفة متكاملة فيما بينها على أساس مستويات متعددة تمضي في كلا اتجاهين الأفقي والرأسي في نظام متعدد الجوانب.

المنهج البنيوي وصفي:

وكما ذكرنا في المبحث الأول بأن المنهج البنيوي هو منهج وصفي، وهذا يعني أنه لا يعتمد على الناقد بقدر ما يعتمد على الوصف ولا يخلص لنتائج معينة، فإذن فهو لا يؤول إنما يعتمد على وصف الأبنية الداخلية للنص وعلاقاتها فيما بينها كما ويصف لنا الروية، فكل نص له رؤية فإذا استطاع الناقد رصد تلك الروية فعندئذٍ يستطيع تحليل جزيئات البنية.

إنتاج معرفة بالنص الأدبي:

إن النص الأدبي يُمكن أن يُدرس على وفق مناهج كثيرة، قد تتفق كلها، أو بعضها في نتائجها، وأحكامِها على النص الأدبي الواحد، ويمكن القول بأن الوظيفة الأولى والأسمى للنقد الأدبي هي إنتاج معرفة بالنص الأدبي نفسه، وهذا يعني أن النقد الأدبي هو نص ثانٍ، لكنه يختلف عن النص الأدبي المدروس في كونهِ يحاول أو يؤسس لعناصر المعرفة في هذا النص.
وهذا يُعني أن النقد الأدبي الصحيح يمثل خطابًا أدبيًا مُؤسِسًا معرفة مستندة إلى ما في النص الأدبي المدروس من تجليات مضمونة، أو بنائية، أو لُغوية أو ...، وهذا في رأيي الباحث ما يُنادي به أصحاب المنهج البنيوي فهم ينادون إلى تأسيس معرفة من ذلك النص بعزلهِ عن الخارج، وهذه المعرفة لا تأتي دفعة واحده بل تتشكل من خلال الوصف والتحليل لذلك النص، والدخول في جزئياته وعلاقاته دون النظر إلى ما حوله.

القراءة مسار في فضاء النص:

ومن هنا يتم تأسيس معرفة نقدية حقيقية بالنص، وتكون تلك المعرفة خالصة وحقيقية؛ لأنها تنظر في النص من الداخل وليس من الخارج، وعلى ما اعتقد هذا هو ما تصبوا إليه البنيوية في نقدها.
فداخل هذا الفضاء المعرفي المؤسس، لا بد من إيجاد المعنى بعيدًا عن مرجعية الواقع؛ لأنه لا علاقة بين النص كوجود والواقع كمرجع موضوعي، فالقراءة تتجلى تمامًا عن خارج النص وتعطي أهمية قصوى لداخلِ ومكوناته؛ لأنه المرجعية من حيث هي رؤية متضمنة في مستوياته.
ويرى الباحث بأن النقد البنيوي يُريد أن يُنتج نصًا جديدًا وفق رؤية القارئ، ولكنه يشترط عليه أن تكون تلك الرؤية نابعة من النصِ نفسهِ، ودليلي في ذلك أنه أعتبر القراءة نقدًا، فالقراءة في تلك هي مسار في فضاء النص من أجل إنتاج موضوع جديد وهو النص.

سلطة النص:

فالنقد البنيوي يعطي النص سلطة، وهذا عندما نادى بدراسة النص ومحاورتهِ من الداخل، فالنص عندما يصبح مقروءًا هذا يُعني أنه يمتلك سلطة تجعله موضوع قراءة حيث، حدد المنهج البنيوي مرجعيته التي يستمد منها سلطته، وهي مرجعية أدبية أساسها اللغة بانتظامها ومدلولاتها على مستوى أنساق العلاقات داخل بنية النص.
فالناقد إذن لا بد من أن يدخل إلى فضاء النص أو المتن؛ لاختراق تلك البنية المتماسكة وتحليل مستوياتها المتداخلة، والنظر في العلاقات القائمة بينها، وهذا المسعى يؤكد لنا على سلطة النص التي تتأس من ذاتهِ، ومن طـريق انتظام اللغة داخله.