قصيدة "المساء" لخليل مطران.. داءٌ أَلَمَّ فخِلْتُ فيه شفائـي من صَبْوتي فتضاعفَتْ بُرَحَائي



داءٌ أَلَمَّ فخِلْتُ  فيه شفائـي       من صَبْوتي  فتضاعفَتْ   بُرَحَائي
يا للضَّعيفين! استبدّا بي ومـا   في الظُّلمِ     مثلُ تحكُّمِ  الضّعفاءِ
قلبٌ أذابتْهُ الصَّبَابةُ والجَـوَى   وغِلالةٌ   رثَّتْ      منَ   الأدواءِ
والروحُ بينَهما نسيمُ  تَنَهُّـدٍ        في حالَيِ   التَّصْويبِ   والصعداءِ
والعقل كالمصباحِ يغشى نورَهُ    كَدَرِي  ويُضْعِفُهُ  نَضُوبُ  دمائي
***
هــذا الذي أبْقَيْتِهِ يامُنْيـتي            من أضْلُعي وحُشَاشَتِي وذَكـائي
عمرينِ فيكِ أضعْتُ لو أنصفْتِني   لم يَجْدُرَا     بتأسُّفي    وبكـائي
عمرَ الفتى الفاني وعمرَ مخلَّـدٍ      ببيانِهِ    لولاكِ    في  الأحــياءِ
فَغَدَوْتُ لم أنْعَمْ كذي جهلٍ ولم      أغْنَمْ    كذي  عقلٍ   ضمانَ بقـاءِ
***
ياكوكباً من يهتدي بضيائِـهِ        يهديهِ     طالعُ    ضِلَّةٍ    ورِيَـاءِ
يامورداً يسقي الورودَ سرابُـهُ     ظمأً     إلى  أن  يهلِكُوا  بِظَـمَاءِ
يازهرةً تُحْيي رواعيَ  حُسْنِهَا     وتُميتُ    ناشِقَها    بلا إِرْعَـاءِ
هـذا عتابُكَ غيرَ أني مخطـئٌ       أيُرَامُ   سَعْدٌ   في  هوى  حسـناءِ؟
حاشاكِ، بل كُتِبَ الشَّقاءُ على الورى     والحبُّ لم  يبرحْ أحبَّ شقــاءِ
نعم الضلالةُ حيث تؤنسُ مقلتي      أنوارُ   تلك    الطلعةِ الزهــراءِ
نعمَ  الشّفاءُ إذا رويتُ  برشفةٍ      مكذوبةٍ    من   وهمِ ذاك المــاءِ
-نعمَ الحـياةُ إذا قضيتُ  بنشقةٍ       من  طيب  تلك الروضةِ الغنّــاءِ
***
إنّي أقمتُ على التَّعِلَّةِ   بالمـنى        في غربةٍ قالوا: تكونُ دوائــي
إن يشفِ هذا الجسم طيب هوائهـا   أَيُلطِّفُ   النيرانَ  طيبُ هــواءِ؟
أو يُمْسِكِ الحوباءَ حسنُ مقامِهـا     هل  مسكةٌ في البُعْدِ للحــوباءِ؟
عَبَثٌ طوافي في البلادِ وعِلَّــةٌ       في عِلَّةٍ   منفـايَ   لاسْتِشْـفَاءِ
مُتَفَرِّدٌ بصــبابتي، متفــرِّدٌ           بكآبــتي،   متفرِّدٌ     بعنــائي
شاكٍ إلى البحرِ اضطراب خواطري   فيُجيبُني بريـاحِهِ الهوجـاءِ
ثاوٍ على صخرٍ أصمَّ وليتَ لي     قلباً   كهذي الصخرةِ  الصَّـمَّاءِ
يَنْتَابُها موجٌ كموج مكارِهـي     ويَفُتُّهَا   كالسُّقْمِ   في   أعضـائي
والبحرُ خفَّاقُ الجوانبِ ضائقٌ     كمداً  كصدري ساعةَ الإمساءِ
تغشى البريّةَ كدْرَةٌ  وكأنَّهـا    صَعِدَتْ إلى عَيْنيَّ من أحشــائي
والأفقُ  مُعْتَكِرٌ قريـحٌ  جَفْنُهُ     يُغضي   على الغَمَراتِ والأقذاءِ
***
يا  للغُرُوبِ  ومابهِ   من عِبْرةٍ     للمُسْتَهَـامِ!   وعِبْرَةٍ   للرّائـي!!
أوليسَ  نزْعاً للنَّهار  وصَرْعةً    للشَّمسِ    بينَ مـآتمِ الأضـواءِ؟
أوليسَ طمساً لليقينِ ومبعـثاً        للشَّكِّ    بينَ غـلائلِ الظَّلْمَـاءِ؟
أوليسَ محواً للوجودِ إلى مـدىً     وإبـادةً    لمعـالم الأشيـــاءِ؟
حتى يكونَ النّورُ تجديداً لـها       ويكونَ شِبْهَ البعثِ عَوْدُ  ذُكاءِ
***
ولقد ذكرتُكِ والنَّهارُ مـودِّعٌ        والقلبُ   بينَ مَهَـابَةٍ ورجــاءِ
وخواطري تبدو تُجاهَ نواظري    كَلْمَى كداميةِ السّـحاب إزائـي
والدمعُ من جفني يسيلُ مُشَعْشِعاً   بسَنَى الشّعـاعِ الغاربِ المترائـي
والشمسُ في شفقٍ يسيلُ نُضَارُهُ    فَوقَ العقيقِ على ذُرىً ســوداءِ
مرَّتْ خـلالَ غمامتينِ تحدُّراً      وتقطَّـرَتْ  كالدمعـةِ  الحمـراءِ
فكأنّ آخـرَ دمعةٍ للكونِ  قد        مُزِجَتْ بآخـرِ أدْمُعِـي لرثائـي
وكأنّني آنستُ يوميَ زائـلاً     فرأيتُ  في المـرآةِ كيف مسائـي