المدرسة بين الاندماج الثقافي والتنمية.. خلق وتكوين مجتمع قروي يساهم في التغيير والتطور في إطار ما عرف بربط التعليم بالتنمية الشاملة



في ظل التعددية الثقافية  للمجتمع المغربي بشكل عام، والمجتمع القروي كجزء لا يتجزأ منه، وفي ظل  التحولات والتغيرات المجتمعية التي يعرفها العالم  القروي، خصوصا منذ دخول الإستعمار وما أدخله من مؤسسات حديثة، أخذت المدرسة، التي وعت أهميتها السلطات الفرنسية آنذاك في "إخضاع النفوس بعدما تم  إخضاع  الأبدان".

كما عبر عن ذلك "المسيو هاردي"، مدير التعليم الذي أقامته الحماية الفرنسية بالمغرب  أنذاك، أخذت مكانتها داخل المجتمع القروي والمغربي عامة، نظرا لأهميتها في دمج الساكنة القروية في "البنيات الإجتماعية التحديثية والحديثة التي خلقها المعمر آنذاك "لتنمية  العالم  القروي" كما رآها هو.

نفس التوجه حكم السياسات المغربية بعد خروج المعمر، ففي إطار "المبادئ الأربعة"، التوحيد، التعميم، التعريب ومغربة  الأطر" التي حكمت مختلف المخططات سواء الخماسية منها أو الثلاثية، كان الهدف هو خلق هوية  ثقافية مغربية موحدة تلم شمل الشتات الثقافي الذي يعرفه المجتمع المغربي من شماله إلى جنوبه، ومن حاضرته إلى باديته، وكذا خلق وتكوين مجتمع قروي يساهم في التغيير والتطور في إطار ما عرف بربط التعليم بالتنمية  الشاملة.

مسار واحد، إذن رغم الاختلاف في الرهانات الأساسية  والثانوية التي حكمت هذه المسيرة من المخططات، إلا أن "الهوية الثقافية"، "العالم القروي"، "المدرسة والتنمية" هي البارديغمات الأساسية التي حكمت هذه المسارات، وهي الهاجس الأساسي الذي لازال يحكم توجه  المجتمع المغربي، وهذا ما يبرز من خلال صدور "الميثاق الوطني للتربية والتكوين"، المفتتح بالخطاب الملكي القائل "إن غايتنا هي تكوين مواطن صالح، قادر على اكتساب المعارف والمهارات، مشبع في نفس الوقت بهويته التي تجعله فخورا بانتمائه.. ونريد من مؤسستنا التربوية والتعليمية أن تكون فاعلة ومتجاوبة مع محيطها... وما يتطلب التغلب على الأمية من تعبئة وطنية للحد من تفشيها ومحو آثارها لا سيما في القرى والبوادي بهدف  الحد منها لكونها عائقا يعرقل مسيرة التنمية ".

في  خضم هذه التوجهات  والتحولات التي  تحكم  المجتمع المغربي والقروي بشكل خاص، تأتي مساءلتنا  لموضوع "المدرسة،  الاندماج  الثقافي والتنمية"، مساءلة تحاول فهم وتحليل سوسيولوجيا دور المدرسة في تحقيق الاندماج الثقافي وفي نشر قيم ثقافة تنموية بجماعة دار أم السلطات القروية، ولعل انتماءنا  لمجتمع قروي يحتضن تعددية ثقافية مختلفة هو الهاجس الذاتي الأساسي الذي دفعنا إلى اختيار هذا الموضوع، خاصة بحكم التخصص العلمي الذي ننتمي إليه "علم  الاجتماع".

الفاعلية الاجتماعية إذن وفهم المحلي سوسيو لوجيا إضافة إلى الضرورة الأكاديمية - البحث  لنيل الإجازة- دوافع اجتمعت وأخرى لتولد هاته المساءلة العلمية  لهذا  الموضوع.