المدارس الأوربية في خدمة الأسواق.. احتدام المنافسة والتعجيل بإصلاح التعليم على صعيد البنيات ومضامين الدراسة والمناهج



كانت الأوساط الاقتصادية قد ركزت اهتمامها، خلال ثلاثين سنة، على تطوير للتعليم كميا.و أتاحت لها  نهاية مرحلة إضفاء الطابع الجماهيري التوجه نحو الجوانب النوعية. إنها تقوم بذلك بقوة جامحة بقدر ما أن تدهور شروط الإنتاج واحتدام الصراعات التنافسية ُيعجل بنظرها ضرورة إصلاح جوهري للتعليم: على صعيد البنيات ومضامين الدراسة والمناهج.

عام 1989أصدرت المائدة المستديرة للصناعيين الأوربيين(ERT بالانجليزية)، وهي جماعة ضغط من أرباب العمل،  تقريرها الأول حول التعليم صائحا: «يعتبر التعليم والتكوين بمثابة استثمارات إستراتيجية  حيوية لنجاح المقاولة مستقبلا».

وبناء عليه «يستلزم التطور التقني والصناعي للمقاولات الأوربية بوضوح تجديدا متسارعا لأنظمة التعليم وبرامجه» وتأسفت المائدة المستديرة لـ «شدة ضعف تأثير الصناعة على برامج الدراسة»، ولـ«نقص إدراك المدرسين للبيئة الاقتصادية  ولعالم الأعمال ولمفهوم الربح» ولكون أولئك المدرسين «لا يدركون حاجات الصناعة».

وعلى امتداد سنوات التسعينات، صدرت تقارير أخرى، تحدد « توصيات» أرباب العمل حول «طريقة تكييف إجمالي لأنظمة التعليم والتكوين المستمر مع التحديات الاقتصادية والاجتماعية».

ولاحقا استعملت الخطوط التوجيهية لتلك التقارير في تحليلات منظمة التعاون والتنمية الاقتصاديين  OCDE وفي «الكتب البيضاء» للجنة الأوربية وفي مختلف المنشورات المحلية الحكومية منها أو الخاصة بأرباب العمل.

وفي أوائل سنة 2001، أصدرت المديرية العامة للتعليم والتكوين التي يديرها فيفيان رودين Viviane Reding باللجنة الأوربية، وثيقة تتضمن آراء الدول الأعضاء بشأن «الأهداف الملموسة لأنظمة التعليم».

ويحدد ذلك النص منذ البداية المهمة الأساسية للتعليم في إطار الأهداف التي تبناها المجلس الأوربي بلشبونة في مارس 2000: «يواجه الاتحاد الأوربي اضطرابا هائلا  بفعل العولمة والتحديات الملازمة لاقتصاد جديد مبني على المعرفة».

ومن ثمة يتمثل الهدف الإستراتيجي الأهم ،الذي يتعين على التعليم أن يشارك كليا في تحقيقه، في أن يصبح «قتصاد المعرفة الأكثر تنافسية والأكثر دينامية في العالم، القادر على تحقيق نمو اقتصادي مستديم».

يجدر التأكيد هنا على تنامي دور اللجنة الأوربية في توحيد سياسات التعليم لاجل خدمة الاقتصاد. فهي تقول: «علينا طبعا الحفاظ على اختلاف البنيات والأنظمة التي تعبر عن هويات البلدان والمناطق الأوربية، لكن علينا أيضا الإقرار بكون أهدافنا الرئيسية وما نصبو اليه من نتائج متشابهة على نحو لافت للنظر».

وتضيف: «ما من دولة عضو قادرة على تحقيق كل ذلك وحدها. إن مجتمعاتنا على غرار أنظمتنا الاقتصادية بالغة الترابط  اليوم على نحو يجعل خيار الانفراد غير واقعي».

وإذا كانت إديث كرسون المبادر إلى تصور إستراتيجي للتعليم على الصعيد الأوربي، فإن فيفيان رودين هي التي ستنجح في الانتقال من التفكير إلى سياسة تعليم مشتركة حقيقية.