التعليم والتنوير في عصر العلم.. العلم والمعرفة سلاح يمكن استخدامه بشكل إيجابي لتطوير الوطن



بداية عندما شغلني هاجس التعليم والفرق بين ما ندرسه في منهاجنا وما يدرسه الطلاب الأوربيون، أحسست بالفارق الكبير بين مناهجهم ومناهجنا والجهود الكبيرة التي نبذلها والمعاناة التي نعانيها أساتذة وطلاباً والمردود المقابل لهذه الجهود.
لما كان الحديث أمانة ومسؤولية.. فالسؤال الذي يحضرني: إلى من أتحدث؟! إلى الأساتذة؟ والمفروض أن يتحدثوا هم ونصغي نحن إلى أحاديثهم ونستفيد من تجاربهم.
أم إلى المسؤولين؟ وهنا يحضرني سؤال تقليدي:
هل المسؤولون في الوطن العربي على استعداد لتقبل الحوار؟ وبالتالي لفتح باب الحوار الثقافي الديمقراطي بين المسؤول والمثقف؟ والذي سيساهم في حل معظم مشاكل الوطن والأمة.
أ أتحدث عن البرامج؟ أو عن المشاكل التي تعترض الطلاب والمدرسين ولا أظنها قليلة؟
وعندما أمعنت النظر في الأمر أحسست بحجم الأمانة التي عليّ أن أتحدث عنها بصراحة تامة فهنا في المدرسة كما في مدارس القطر كافة والمدارس العربية يتقرر مستقبل ومصير هذا الوطن وهذه الأمة.
فماذا يمكنني أن أقول في هذه العجالة؟
هناك بعض الخطوط العامة التي تعتبر بمثابة المأزق التربوي في المرحلة ما قبل الجامعية وسأتكلم عنها باختصار جديد وهي أسئلة تخطر ببالنا جميعا ونحاول جاهدين إيجاد الحلول المناسبة والشافية لها، وأطرح بعض التساؤلات:
1- ما هو دور التعليم وهدفه وهل يشمل التنوير أم لا؟ وما هو دور المدرسة في هذا الموضوع؟
2- ماذا عن تطور المناهج وهل تتماشى مع تطورات العصر؟
3- ما هو تأثير البيئة على الناشئة؟
4- كيف نمتلك مشروعاً تعليمياً وثقافياً عربياً شاملاً يشرف عليه ويدعمه ويطوره المعلمون؟
5- كيف ينبغي أن تكون العلاقة بين المدرس والطلاب؟
6- ما هو دور الأسرة؟
7- ما هي علاقة الدوام بالإبداع؟
8- كيف نهتم بالطالب من الناحية الصحية والنفسية؟
9- متى ندخل عالم المستقبل ونتقن لغة العصر؟
10- ماذا عن توحيد المناهج التعليمية في الوطن العربي؟
11- ماذا عن المشاكل الصغيرة؟
أعلم أن البنود المطروحة تحتاج إلى بحوث مطولة.
وسأبحث كل نقطة باختصار شديد ومنذ البداية أطرح موضوع التعليم والمعرفة.
وهنا لا بد لنا من إلقاء نظرة جدية على نظام التعليم والتدريب فالعلم والمعرفة سلاح يمكن استخدامه بشكل إيجابي لتطوير الوطن كما يمكن أيضاً نزع هذا السلاح ليس بالحرمان منه بل بتفريغه من داخله، أي بالإبقاء على الشكل وخلخلة المضمون إلى درجة يرتد فيها على رؤوس منشئيه ويفتك بهم.
أعلم أنها مهمة شاقة ولكن على من يقع العبء الأكبر من التعليم والتنوير؟
ولماذا أربط التعليم بالتنوير؟ وما هو المقصود بالتنوير؟
التنوير بمعنى الاستخدام الواعي للمعرفة، أي استخدام العقل والتفكير السليم والتحيز لهما وإعلاء قيمة الإنسان.
وأؤكد على التعليم الذي يفتح المجال أمام الطلاب فيفتح عقولهم، وليس على تعليم المناهج الجافة وحفظها بالتلقين وحسب، بل التعليم المستمر .التعليم من أجل الحياة، التعليم من أجل خلق مجتمع متطور يجعل تفكيرنا حراً وإرادتنا حرة.
فبالمعرفة والتعليم والذكاء الذي أحسن تدريبه، تنمو مجتمعاتنا وتتطور، وهنا يأتي دور المعلم وحبه لمهنته وتدريبه المستمر وتطوير معارفه.
أعلم أن سؤالاً هاماً يبرز هنا:
- كيف يمكن لمعلم لم يعط حقه أن يكون قادراً على العطاء؟
فالمعلم على امتداد الوطن العربي أقل الفئات العاملة إنصافاً، وهذا الأمر يجعل الكثير من المعلمين يغادرون التدريس إلى أعمال أخرى أو كما نعلم جميعا التدريس خارج أوقات الدوام.
المناهج والامتحانات: هذا على مستوى التعليم، أما على مستوى المناهج فنظرة متأنية توضح لنا أن المناهج تتطور ببطء شديد فعندما ألقي نظرة على كتب ولديّ أرى أن نسبة تطورها لم تتجاوز 20-30% خلال ثلاثين عاماً.
فهي مناهج ضخمة بعدد صفحاتها ومرهقة للطالب، وما يبقى في ذهن الطالب منها أقل بكثير من الفائدة المرجوة ويبدو أن المناهج قد أخذت بالتطور اعتباراً من سنوات الدراسة الابتدائية معتمدة طريقة التربية الشمولية والعمل الجماعي ولكنها لا تزال بحاجة إلى التوثيق والمعلومات. 
 الامتحانات: لعل صعوبة الامتحانات خاضعة لضخامة المنهاج، فالأكوام الكبيرة من الكتب سيمتحن فيها الطالب في أوقات متقاربة خاصة الصفوف الانتقالية، وعلى سبيل المثال: 
أثناء الامتحانات النصفية والمذاكرات يطلب من الطالب تقديم مادة أو أكثر كل يوم، وأتساءل أهو امتحان واختبار لمعلومات الطالب؟ أم أنها عملية جلد وعقوبة ينفذها دون ذنب ارتكبه؟ 
وباختصار فإن برامجنا صعبة، طويلة، ومملة وامتحاناتنا مرهقة كم أن برامجنا تحوي من الثوابت أكثر مما تحوي من المتغيرات في عالم اخذ التطور التكنولوجي والتغيير يشمله في كافة جوانبه المادية والمعنوية.
والحقيقة الثانية التي أطرحها:
لا بد من أن ينتمي التعليم إلى العصر بعد أن أخذت المعلوماتية تشمل كافة نواحي الحياة فإذا كانت حاجات الإنسان المادية "غذاءً وسكناً وصحةً وعملاً" فلا بد من إنسان متعلم كي يحققها، كأن يحدث ثورة زراعية، ولا بد من إيجاد كوادر مدربة وهذا يعني أن الإنسان المتعلم يقوم بدور أفضل لتنمية بلده مادياً.
وهذا ينطبق أيضاً على الصناعة والتكنولوجيا.
أما إذا انتقلنا إلى الحاجات المعنوية كتحقيق الذات والمشاركة وحرية التعبير والشعور بالكرامة والاعتزاز بروح المواطنة وفهم الآخر ومعرفته والحوار معه فمن غير المعلم للعطاء والتعليم والتربية.
والآن نتساءل ما هو تأثير البيئة على الناشئة؟
نعلم جميعاً أن الإنسان ابن بيئته فإذا حملت في مقدمتي المعلم العبء الأكبر فهناك الدور الهام للأسرة وللطالب وللبيئة المجتمعية التي نعيش فيها نتفاعل معها.
الطفل الإنساني فإنه يحتاج إلى احتضان محفوف بالمعونة والرعاية وإلى بيئة ثقافية يتشكل فيها، صحيح أنه يولد ولديه منظومة فطرية أي لديه الاستعداد لاستقبال المعلومات لكن هذه المنظومة شديدة التقبل والتفاعل مع البيئة المحيطة.
الإنسان كائن اجتماعي ومهما حمل من صفات وراثية فإنه أخيراً من صنع بيئته وتلك الحقيقة العلمية تجعلنا نقبل إمكانية التأثير في لاطفل وتوجيهه.
والسؤال المطروح هل نترك الطفل أو الطالب يتشكل تلقائياً حسب البيئة التي أتى منها؟
أم نحاول أن نؤثر في النشء الجديد لإعداده لمهمات يحتاجها المجتمع؟ هنا يأتي دور المدارس التي تقتطع من أعمار المتعلمين سنوات طويلة من أجل إعداد الناشئة الإعداد الصحيح لخدمة مجتمعاتهم.
هذا التعليم يخضع لمتتالية زمنية تتدرج عبرها مستويات التعليم وأهدافه.
فإذا بدأنا من دور الحضانة: نبدأ مع الكاتب عالم الاجتماع روبرت فولجهم الذي كتب كتابا عنوانه:"كل ما أحتاج إلى معرفته تعلمته وأنا في روضة الأطفال".
ويتحدث عن الأمور التي يتعلمها الطفل الصغير بدءاً من دور الحضانة والتي ترسم وعيه المستقبلي وحياته وتتدخل في تكوين جزء هام من شخصيته في المستقبل ويتحدث عن الأوامر والنواهي فمنها:
"شارك الآخرين في كل شيء، تصرف حسب الأصول ، لا تعتمد على الناس، أعد ما تأخذه إلى مكانه بعد الانتهاء من استعماله، نظف مائدتك بنفسك، لا تأخذ ما ليس لك، إن آذيت أحداً اعتذر منه، أغسل يديك قبل الطعام وبعده، العب دون إفراط. " ويقول الكاتب: إن كل ما نحتاجه وراء هذه الكلمات والنصائح التي تحمل في طياتها الحب والمحافظة على الصحة وقواعد المساواة والسياسة والتصرف بعقل وحكمة ، هذا هو دور المعلم والمربي منذ البداية الأولى للطفل. 
وقبل الانتقال إلى دور السرة أؤكد بأن عمل المعلم لا بد له من التكامل مع عمل الأسرة ضماناً لنجاح مهمة نلقيها عليه وهي من أصعب المهام ، التنوير والتعامل مع العقل وبناء الإنسان.
إن الأهم والأوسع مجالاً هو الثقافة وليست المنهج التعليمي والمدرسي فقط، فإذا علمنا أن 40% من سكان الوطن العربي دون سن الخامسة عشرة أدركنا أن هذه القاعدة العريضة بحاجة إلى إنقاذ الجانب الثقافي وهذا لا يتم إلا بـ:
مشاريع جادة تساهم فيها المؤسسات الاجتماعية والمدرسية والأسرة وأسوق.
على سبيل المثال أحد هذه المشاريع التي يجب أن يناسب مختلف الأعمار.
فمثلاً يمكن إصدار مجلة للطلاب مركزية تحمل قيماً تتجلى فيها النزعة الإنسانية وانتماء الطالب وتفاعل الثقافات والقيم الإنسانية المعاصرة وتنشيط الخيال والانتباه إلى تقديم الموضوعات العلمية وتقديم قصص الخيال العلمي بأسلوب مبسط.
 وأن تحوي المجلة على مسابقات وألعاب ورسوم كاريكاتير وغيرها .
ومع الزمن تدرج المجلة بالبرامج المعدة من خلال شبكة الانترنيت حيث يتم التواصل من خلالها بين الطلاب في مختلف المدارس.
ويمكن أن تنشأ شبكة حوار بينهم ويمكن للطلاب الإسهام فيها من خلال إضافة الرسوم والأفكار والآراء وتكون صلة وصل للتواصل بين مختلف المدارس.