من آثار الأخوة ونتائجها في تقوية التآلف بين المسلمين وقلة الشحناء بينهم



عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله (ص) «لا تحاسدوا ولا تناجشوا ولا تباغضوا ولا تدابروا ولا يبع بعضكم على بيع بعض، وكونوا عباد الله إخوانا، المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يكذبه ولا يحقره، التقوى ههنا ويشير إلى صدره ثلاث مرات، بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم، كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه» رواه مسلم.

أيها المسلمون العمل بهذا الحديث من أعظم الأسباب الموصلة للتآلف بين المسلمين وقلة الشحناء بينهم فالمؤمنون إخوة في النسب أبوهم آدم وأمهم حواء لا يتفاضلون إلا بالتقوى وأخوة في الدين.

قال تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) (الحجرات: 10).
وقال رسول الله (ص) «المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا وشبك بين أصابعه» رواه البخاري ومسلم.
وقال عليه الصلاة والسلام «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضوٌ تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمَّى» رواه البخاري ومسلم.
ولهذا قال (ص) «لا تحاسدوا» أي لا يحسد بعضكم بعضًا، والحسد تمني زوال النعمة عن أخيك المسلم وهو حرام لأنه اعتراض على الله في نعمته وقسمته.
وقال النبي (ص) «دب إليكم داء الأمم قبلكم الحسد والبغضاء هي الحالقة حالقة الدين لا حالقة الشعر» رواه البزار والبيهقي وغيرهما بإسناد جيد.

وقال تعالى: (أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ) (النساء: 54).
ثم قال (ص) «ولا تناجشوا»، والنجش هو أن يزيد في السلعة من لا يريد شراءها ليغر غيره بها وهو حرام لأنه من أسباب العداوة والبغضاء ومن أسباب أكل المال بالباطل ولهذا قال بعض العلماء الناجش آكل ربا خائن غاش ومن غشنا فليس منَّا، ثم قال (ص): «ولا تباغضـوا» أي لا يبغـض بعضـكم بعضًا بتعاطي أسباب البغضاء من السب والشتم واللعن والغيبة والنميمة والخمر والميسر.

قال الله تعالى: ]إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ[ [المائدة: 91].
وقال (ص) «والذي نفسي بيده لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا ألا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم أفشوا السلام بينكم» رواه مسلم.
وقال (ص) «ألا أنبئكم بشراركم؟» قالوا بلى يا رسول الله قال: «المشاءون بالنميمة المفرقون بين الأحبة الباغون للبراء العنت» رواه أحمد ([1]) والعنت المشقة.
وقال تعالى: ]لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا[ [النساء: 114].

والتباغض المذموم هو الذي منشؤه التنافس في الدنيا واتباع الأهواء، فأما الحب لله والبغض لله فهو أوثق عرى الإيمان وأحب الأعمال إلى الله، وقال عليه الصلاة والسلام: «من أحب لله وأبغض لله وأعطى الله ومنع لله فقد استكمل الإيمان» رواه أبو داود والترمذي ([2]) فيجب عليك أيها المسلم محبة الله ومحبة رسوله ومحبة الصالحين ومحبة ما يحبه الله من الإيمان والعمل الصالح، لأنك مع من أحببت يوم القيامة كما يجب عليك بغض الكفر والفسوق والمعاصي وبغض الكفرة والمشركين والعصاة والملحدين.

وصدق الله العظيم إذ يقول: ]وَلَكِنَّ اللهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ. فَضْلاً مِنَ اللهِ وَنِعْمَةً وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ[ [الحجرات: 7، 8] وقال (ص) «إن الله تعالى يقول يوم القيامة: أين المتحابون بجلالي؟ اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي» رواه مسلم.

ثم قال (ص) «ولا تدابروا» والتدابر: التهاجر والتقاطع فإن كلا من المتقاطعين يولي صاحبه دبره ويعرض عنه ولا يسلم عليه ولا يرد عليه السلام، وفي الصحيحين أن النبي (ص) قال: «لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا وخيرهما الذي يبدأ بالسلام»، وفي رواية: «فمن هجر فوق ثلاث فمات دخل النار» رواه أبو داود والنسائي.

ثم قال (ص): «ولا يبع بعضكم على بيع بعض».
ومعنى البيع على بيع أخيه أن يقول لمن اشترى سلعة في مدة الخيار افسخ هذا البيع وأنا أبيعك مثله أو أجود منه بثمنه والنهي للتحريم لما فيه من الإيذاء الموجب للتباغض ثم قال (ص): «وكونوا عباد الله إخوانا».

وفيه إشارة إلى أنهم إذا تركوا التحاسد والتناجش والتباغض والتدابر وبيع بعضهم على بيع بعض كانوا إخوانا أي تعاملوا وتعاشروا معاملة الإخوان ومعاشرتهم في المودة والرفق والشفقة والملاطفة والتعاون في الخير مع صفاء القلوب والنصيحة بكل حال فكونوا عباد الله إخوانا في المحبة والدين والرفق واللين ثم قال (ص): «المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يحقره ولا يخدله ولا يكذبه».

قال الله تعالى: ]إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ[ [الحجرات: 10].
وقال النبي (ص): «انصر أخاك ظالمًا أو مظلومًا» قال: يا رسول الله انصره مظلومًا فكيف انصره ظالما؟ قال: «تمنعه من الظلم فذلك نصرك إياه» رواه البخاري ومسلم.

وأما احتقار المسلم فهو ناشئ عن الكبر وقد قال (ص): «لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر» فقيل له: إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنا ونعله حسنا فقال: «إن الله جميل يحب الجمال الكبر بطر الحق وغمط الناس» رواه مسلم، وبطر الحق دفعه ورده على قائله وغمط الناس احتقارهم.

وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) (الحجرات: 13) فلا فضل لعربي على عجمي ولا لأبيض على أسود إلا بالتقوى، قال عليه الصلاة والسلام: «إن الله قد أذهب عنكم عبية الجاهلية وهي الكبر، وفخرها بالآباء إنما هو مؤمن تقي أو فاجر شقي الناس لآدم وآدم من تراب لينتهين أقوام يفتخرون بآبائهم الذين ماتوا إنما هم فحم من فحم جهنم وليكونن أهون على الله من الجعل الذي يدهده الخرأ بأنفه»، رواه أبو داود والترمذي، وقال: حديث حسن، وقال (ص): «إن الله أوحى إلي أن تواضعوا حتى لا يفخر أحد على أحد ولا يبغي أحد على أحد» رواه مسلم وغيره.

ثم قال (ص) «التقوى ههنا ويشير إلى صدره ثلاث مرات» لا شك أن الإيمان أصله في القلب وثمرته على الجوارح فهو قول واعتقاد وعمل وحب وبغض وفعل وترك وليس الإيمان بالتحلي ولا بالتمني ولكنه ما وقر في القلب وصدقه العمل.

ثم قال عليه الصلاة والسلام: «بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم».
يعني يكفيه من الشر احتقاره لأخيه المسلم فإنه إنما يحقره، لتكبره عليه، والكبر من أعظم خصال الشر، ثم قال (ص): «كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه» وهذا مما كان النبي (ص) يخطب به في المجامع الكبار العظيمة كما قال في حجة الوداع يوم النحر بمنى: «إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليك حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا» رواه البخاري ومسلم، وقال رجل لعمر بن عبد العزيز: اجعل كبير المسلمين عندك أبا وصغيرهم ابنًا وأوسطهم أخًا.

وقال بعض السلف: ليكن حظ المؤمن منكم ثلاث إن لم تنفعه فلا تضره، وإن لم تفرحه فلا تغمه، وإن لم تمدحه فلا تذمه، وقال عليه الصلاة والسلام: «إن من إجلال الله إكرام ذي الشيبة المسلم وحامل القرآن غير الغالي فيه والجافي عنه وإكرام ذي السلطان المقسط» حديث حسن رواه أبو داود([3]).

وقال (ص) «ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويعرف شرف كبيرنا» حديث صحيح رواه أبو داود والترمذي وعنه (ص) أنه قال: «أنزلوا الناس منازلهم» رواه أبو داود ومسلم تعليقا، وصححه الحاكم والسيوطي.
وقانا الله وإياكم شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا.

اللهم طهر قلوبنا من النفاق وأعمالنا من الرياء وألسنتنا من الكذب وأعيننا من الخيانة إنك تعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور.

اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، واجعلنا هداة مهتدين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

([1]) قال في المجمع الزوائد (8/ 93) رواه أحمد وفيه شهر بن حوشب وقد وثقه غير واحد وبقية رجال أحمد أسانيده رجال الصحيح.
([2]) وحسنه الأرنؤوط في جامع الأصول (1/ 239) ثم قال وله شاهد يصح به وهو ما بعده بمعناه من حديث معاذ بن أنس الجهني أخرجه الترمذي.
([3]) انظر جامع العلوم والحكم لابن رجب (285-294) والمجموعة الجليلة (434-436).