عندما يصبح الثبات على المبدأ استثناء والعالم مقلوبا بادعاءات القادة والمنظرين



قرأت في الانترنت قصة خيالية للكاتب محسن العبيدي الصفار قال فيها: دخلت زوجة سعيد حاملة صينية الشّاي، فصدمها منظر زوجها جالسا على رأسه، ورجليه في الهواء أمام التلفاز. فزعت المرأة المسكينة، وسقطت صينية الشّاي من يدها، وذهبت راكضة باتجاه زوجها وقالت له حبيبي ما ذا بك هل فقدت عقلك؟ لماذا تجلس بالمقلوب أمام التلفاز؟ أجابها سعيد دون أن يرفع عينه من التلفاز قائلا لا تخافي يا حبيبتي لا جنيت ولا فقدت عقلي، كل ما هنالك أريد أن أتفرج الأخبار بشكل صحيح...استغربت الزوجة هذا الكلام وقالت: ولماذا يجب أن تشاهد الأخبار وأنت جالس على رأسك؟ أجابها سعيد بابتسامة... شوفي يا حبيبتي عندما أتفرج على الأخبار أرى أن العالم أصبح مقلوبا، فأمريكا احتلت العراق وهي تقول أنها حررته، وإسرائيل تقتل الفلسطينيين وتدمر منازلهم وتصادر أراضيهم وتقول أنها تحترق شوقا لتحقيق السّلام ، والعرب نسوا أن فلسطين أرض عربية وصاروا ينتظرون من الأتراك والأوروبيين كسر حصار عزة وهم جالسون للفرجة، وأبناء البلد يخربونه ويحرقونه ويدّعون الوطنية، والرّاقصات والغانيات أصبحن من الوجهاء وأصحاب النظر...ولذلك فكرت بأن العيب في طريقة مشاهدتي للأمور وعليه فسأعمل حسب المثل الشّعبي الذي يقول اجلس أعوج وتفرج عدل فلربما انصلحت الأمور........
وفي نفس اليوم وأنا أتصفح على شبكة الإنترنت وقع نظري على كاريكاتير وهو تعبير صادق عن الواقع الذي يعيش فيه الشّعب الصومالي.
الكل في الكاريكاتير يحلم بليلاه.... فالرئيس شغله الشّاغل هو جمع المال مهما كلّف به،  ومن أجله انسلخ عن مبدئه الأول، مدعيا أنه فعل كل هذا لمصلحة الشّعب الصومالي، وحركة الشّباب تقتل كل حيّ أينما كان، حتى ولو دفع فاتورتها الشّعب الصومالي المسكين ومع ذلك فهي تدّعي أنها تفعل كل هذا لمصلحة الشّعب الصومالي المسلم، ولإقامة حدود الله على الأرض، وكذلك الحزب الإسلامي فحلمه الأول والأخير هو الوصول إلى كرسي الحكم  ويومها  يكون الحكم لله وحده.
إذا هل العيب فعلا في طريقة مشاهدتنا للأمور؟.... هل الإنسان هو الذي انقلب على وجهه؟ أم الحياة هي التي انقلبت على وجهها؟ وهل الحياة مع أحداثها وغرائبها هي التي تسير الإنسان فيمشي معها حيث تمشي إليه؟ أم الإنسان هو الذي يسير الحياة فيوجهها كيفما يريد وإلى حيث يريد؟ ....
 إذا رأيتم اليوم شيئا مستويا فتعجبوا قالها الإمام أحمد بن حنبل لما رأى " إهمال الثقات وصعود النكرات، وتوسيد الأمور إلى غير أهلها"[2] وخذ بالك فقد قالها في زمانه، وكل زمن الذي قبله خير منه، كما ثبت عن النّبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه البخاري عن عمرانَ بنِ حُصَينٍ رضي الله عنهما قال : قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: " خيركم قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم..."  ونحن اليوم إذا رأينا شيئا مستويا لا نتعجب بل ننكر لأننا ولدنا والحياة مقلوبة وقرأنا مقلوبا وشاهدنا مقلوبا وسمعنا مقلوبا، فنحن لم نألف حياة مستوية فكيف لا ننكر إذا رأينا شيئا مستويا في هذه الحياة؟ آلا يكون غريبا علينا؟....هكذا يقول واقعنا اليوم.
إنك ترى أحيانا في بعض الفضائيات العربية والإسلامية وفي شهر رمضان المبارك بعض النّساء مكشوفات الرأس والصدر يلبسن الجيب والموضة العارية، تراهن يعطون المشاهدين خواطر عن فضائل شهر رمضان، ولا تجد أحدا يتساءل لأن النّاس أتوا على الدّنيا وهي مقلوبة هكذا...بينما المرأة المحجبة ممنوعة منعا باتا عن الدّخول في تلك الفضائيات، وحتى لو تحجبت إحدى الموظفات فيها فإن مسيرها الطّرد والفصل عن العمل لأنها أتت شيئا منكرا لم يألفه النّاس في حياتهم.
إن تقليب الحقائق على وجهها وصل حتى في ديننا وفي فتوانا الشّرعية، فقد قرأنا من أفتى باسم الدّين جواز إرضاع الكبير، حيث أن بإمكانك أن تحول عشرات من النّاس إخوانك في الرّضاعة خلال دقائق حتى ولو من بني جنسيات مختلفة....
إننا نعيش في عصر مرير اختلط فيه الحابل بالنابل كما يقولون، وصار كل شيء فيه مقلوبا رأسا على عقب. فالأوضاع كلها الفردية، الأسرية، الدولية سواء الاجتماعية أو السّياسية أصبحت في تخبط وعشوائية لم سبق لها مثيل في تاريخ الأمة بسبب هذا الانقلاب الّذي طرأ في كل شيء .  
الحقيقة هي: أن الباطل علا على الحق في العصر الحاضر، فانقلب كل شيء على رأسه، بسبب ضعف رجال الحق وقوة أعدائه، ومن علامات الباطل أنه مقلوب على وجهه دائما قال تعالى" أفمن يمشي مكبّا على وجهه أهدى أمّن يمشي سويّا على صراط ّمستقيم"فالباطل يمشى على وجهه في كل مكان وحين.
إن " لكل من الحق والباطل رجالا، فكما أن الحق يحمله رجال، وينافحون عنه، فكذلك الباطل له رجال يحملونه، ويدعون النّاس إليه، ويتحملون كبره، وبين حملة الحق والصّابرين عليه، ودعاة الباطل جمهور يتنازعهم الخير والشرّ، ومن هنا ينبغي الحذر من دعاة الباطل، ومن يتأثر بهم من الرّعاة، وضعاف النفوس، وأتباع الهوى"
وحتى يعود التّوازن للحياة بعد اعوجاجها، وحتى يعود كلّ شيء في مساره الصّحيح فلا مناص أن يعلو الحق على الباطل كما كان دأبه، ولن يعلو الحق على الباطل إلاّ على أيدي رجاله المخلصين، الّذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه  قال تعالى" من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم مّن قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدّلوا تبديلا".
إذا لا بد للحق حتى ينتصر على الباطل من قوة تسانده وتقف وراءه متمثلة برجاله المخلصين.
وإن هؤلاء الرّجال والذين على أيديهم سينتصر الحق، ليسوا من الذين ينسلخون عن مبادئهم الصّحيحة طمعا للجاه والمنصب والمال، وليسوا من الذين يفتون إرضاع الكبير طمعا للتّميز والصّدارة في فهم الدّين، وليسوا من الذين يتعاملون مع الرّبا من باب الضّرورة تبيح المحظورات، ويبحثون لها أعذار واهية ليأكلوها، وليسوا من الذين يقتلون الأبرياء من النّاس في البيوت وفي الشّوارع وحتى في المساجد...
إنهم رجال يبحثون ويدافعون عن الحق أينما كانوا وأينما هاجروا وطردوا، يعيشون له، ويموتون عليه، يدعون النّاس إليه على بصيرة، لا الأرض تحدهم ولا العذاب يرهبهم، رجال باعوا أنفسهم لله فربحوا في البيع، رجال هم قدوة في كل شيء، في الإخلاص والعمل والعزم والقوة في الحق....قال تعالى" إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأنّ لهم الجنّة..."
يذكر المؤرخون أن هناك منعطفين كبيرين في تاريخ انتصار الحق على الباطل لو لم يتصدى لهما رجال الحق لوصل إلينا الإسلام منحرفا:
أولها: الرّدة بعد وفاة الرّسول عليه الصلاة والسّلام.
فلو لم يتصدى لها أبوبكر رضي الله عنه لوصل إلينا الإسلام بأربعة أركان فقط دون ركن الزّكاة.
ثانيها: فتنة خلق القرآن في زمن الإمام أحمد بن حنبل.
حيث لو لم يثبت فيها الإمام على الحق ولم يقرر أن يضحي بنفسه في سبيل الحق لقالت كل الحشود التي ملأت السّاحة في داك اليوم ومن بعدهم جميعا إلى يوم الدّين بخلق القرآن، ومعروف أن كل مخلوق يخطئ وكل مخلوق لا بد أن يموت...
إننا اليوم قد نملك الغيرة على الحق ولكن مشكلتنا أن هذه الغيرة لا تنتقل إلى الجانب العملي..تقول عائشة رضي الله عنها " .... وما انتقم صلى الله عليه وسلم لنفسه قط إلا أن تنتهك حرمة الله فينتقم". معناه إذا انتهكت حرمة الله انتصر لله تعالى ، وانتقم ممن ارتكب ذلك. فلا يجوز أن ينتقم الإنسان لنفسه ويهمل حق الله تعالى.
إذا يتحتم علينا اليوم جميعا أن ننتصر للحق بكل قوانا العلمية، الجهادية، السّياسية، الاقتصادية، وإلاّ سنتحمل أمام الله مسؤولية من بعدنا لو وصلهم الإسلام  منحرفا ووصلهم كل شيء مقلوبا كما هو الحال الآن...
وأخيرا نعتقد أن الحق هو الّذي سينتصر في النّهاية، ومهما اعتلا الباطل فهو أضعف من أن يبقى ويدوم...
عثمان عبد الله فريد