كيف تصدت المقاومة للحرب النفسية الصهيونية في قطاع غزة؟.. إضعاف الروح المعنوية لدى العدو الصهيوني وزعزعة جبهته الداخلية



عرفت المقاومة في غزة أن الحرب النفسية كانت وستبقى جزءاً أساسياً من الحرب الصهيونية التي تشن على الشعب العربي الفلسطيني ولذلك عملت على اتجاهين: أولهما يهدف إلى التصدي لهذه الحرب وثانيهما: يهتم بتوجيه حرب نفسية ضد الكيان الصهيوني/ قادة وعسكريين ومستوطنين/ ولذلك لم يتوان المقاومون عن التصدي للحملة الإعلامية التي تهدف إلى تشويه صورة المقاومة والتحريض ضدها، وتهديدها عبر تصريحات قادتهم المتكررة. وقد ركزت وسائل إعلام المقاومة على تأكيد حقها في الدفاع عن شعبها وحقها في الرد على الاعتداءات الصهيونية واعتبار الحصار حلقة من حلقات هذه الاعتداءات. كما أكدت هذه الوسائل استعداد المقاومة لصد أي عدوان عسكري محتمل ونجح المقاومون في إيصال رسائل فورية للعدو خلقت حالة من التردد لدى قادته العسكريين. وساهمت إلى حد كبير في إضعاف روحهم المعنوية خلال الحرب، ولكن المقاومة ابتلعت طعم رغبة الصهاينة في تأجيل أي عمل عسكري ضد القطاع إفساحاً للمجال لمفاوضات تجديد التهدئة وكانت الضربة الجوية في اليوم الأول للعدوان في 27/12/2008 م والتي سقط ضحيتها حوالي 1000 من سكان القطاع بين شهيد وجريح بينهم قسم كبير من أفراد الشرطة الفلسطينية. 
وبشكل عام سنقسم التصدي للحرب النفسية المعادية إلى مراحل نظرية ثلاث تركزت أولها بعد الضربة الجوية الغادرة في 27/12/2008 وثانيهما خلال الحرب الجوية، والثالثة خلال الحرب البرية. 
بعد الضربة الجوية الأولى: 
بعد أن انجلى الغبار عن الساحات وما تبقى من ركام في المقرات الأمنية التي قصفتها الطائرات الإسرائيلية المغيرة نقلت (فضائية الأقصى) صورة حية عما يحدث في القطاع وبعد ساعات محدودة أعلنت (كتائب القسام) وفصائل المقاومة أن ردها سيكون قولاً وفعلاً، ثم أطلقت من القطاع عدداً كبيراً من الصواريخ بينها صواريخ (غراد) التي سبق للمقاومة أن أطلقت واحداً منها فقط قبل العدوان، واعتبر في وقتها تحولاً نوعياً في عملها سيكون له تبعات لاحقة، لذلك كان إطلاق صواريخ (غراد) بهذه الكمية مفاجأة أولى من مفاجآت المقاومة، وإشارة سلبية للصهاينة خاصة أن قصف الصواريخ جاء بعد ساعات من الغارة الجوية الأولى التي أعلن (أولمرت) «أنها ستكون البداية فقط» وأن «العملية ستستمر إلى حين تحقيق أهدافها» و قد نجحت وسائل الإعلام العربية عامة والإعلام التابع للمقاومة في قطاع غزة خاصة في إظهار حجم المأساة التي تحدث هناك، وهذه كانت الإشارة السلبية الثانية التي تلقاها الصهاينة فأصبح عليهم مواجهة نتائج الصور التي تنقلها الفضائيات بعد أن انطلقت مظاهرات الغضب والتنديد والاستنكار في بقاع مختلفة من العالم، حتى قبل دفن الشهداء، كذلك وصلت بيانات المقاومة وأخبار إطلاق الصواريخ إلى الأرض المحتلة، والحقيقة أن المقاومة واجهت موقفاً شديد التعقيد والصعوبة في محاولتها لإظهار الواقع المليء بالدماء والدمار، وتأكيد صمودها وعدم تأثر بنيتها العسكرية بالغارة الجوية الأولى، وبذلك واجهت ساعات حرجة قبل أن تنتقل إلى ما بعد اليوم الأول. 
خلال الحرب الجوية «المرحلة الأولى»: 
بدأت هذه المرحلة عملياً بعد ساعات من الغارة الأولى المدمرة لكنها أخذت شكلها الروتيني المتأرجح بين العنف الشديد أو الضربات الانتقائية الموجهة، طيلة أيام العدوان، الذي أسماه الصهاينة (الرصاص المسكوب) وأعلنوا بدء صراعهم ضد صور المجازر والدمار من خلال قصف وتدمير مقر (فضائية الأقصى) في محاولة فاشلة لإسكاتها إضافة إلى غارات شملت مقرات رسمية وأمنية ولم تنج (الجامعة الإسلامية) منها.. 
وفي هذه المرحلة بدأت المقاومة بإدارة الحرب النفسية ضد العدوان الصهيوني بشكل أكثر تركيزاً وتلقى العدو صدمة إعلامية كبيرة ذات دلالات عظيمة، وهي استمرار (فضائية الأقصى) في البث رغم قصف مقرها وتدميره بالكامل، والمشكلة بالنسبة للصهاينة لم تكن في استمرار البث واستمرار القناة، كصوت للمقاومة ووسيلة من وسائل الحرب النفسية وحسب، بل كانت في أمرين غاية في الأهمية: أولهما، أن تدمير المقر واستمرار البث يعيد إلى الأذهان ما حدث في حرب تموز عام 2006 مع (قناة المنار) اللبنانية، والكيان الصهيوني شن حربه على غزة ومن بين أهدافه الكبرى غير المعلنة محو آثار هزيمته في لبنان وإلغاؤها من الذاكرة العربية والصهيونية أيضاً وكان استمرار بث (قناة الأقصى) صفعة لهذا الهدف غير المعلن. 
والأمر الثاني: أن قدرة (قناة الأقصى) على استيعاب الضربة ومتابعة عملها الإعلامي طيلة أيام العدوان كان دليلاً واضحاً على أن المقاومة قد استعدت بشكل حقيقي وفعال، وفي مختلف المجالات، لصد هذا العدوان وبأنها توعدت العدو وحذرته استناداً إلى عوامل قوة، وكلامها كان مرتكزاً على عمل وجهد متواصل، وهذا الأمر ساهم أيضاً في زيادة حالة التردد والخوف، التي أصابت قادة العدو الصهيوني، وأحرجتهم أمام الجهات التي وعدوها بإنهاء العملية خلال أيام قليلة. 
أما المقاومة فلم تكتف بإفشال عملية الدعاية والحرب الصهيونية بل مارست عملاً إيجابياً، ولنقل هجوماً نفسياً ضد العدو الصهيوني شمل محاور عدة نذكر منها ما يلي: 
1ـ التركيز على إعادة فشل حرب تموز 2006 م على لبنان إلى الواجهة من خلال كل عمل عسكري تقوم به لإضعاف عزيمة الجنود الصهاينة وقادتهم، وهنا تحدث الناطقون باسم الأجنحة المسلحة للمقاومة عن مفاجآت تذكر بتلك التي كان يعد بها الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، كما ركزت المقاومة على توسيع دائرة المناطق المستهدفة بصواريخها، رداً على توسيع العدو لدائرة استهدافه للمواطنين، واستمراره في حصار القطاع وقصفه حتى وصل استهداف المقاومة إلى دائرة تبعد إلى أكثر من 45 كم عن حدود القطاع، إضافة إلى المفاجأة بالعدد الكبير من الصواريخ المتوافرة لدى المقاومة، وخاصة صواريخ (غراد)، وهنا نذكر أن المقاومة تلاعبت بشكل ممتاز بوتيرة إطلاق الصواريخ، فخفضتها في اليوم الثاني للمعركة بعد اليوم الأول الملتهب، فأعلن العدو أنه أثر بشكل كبير على قدرة إطلاق الصواريخ لدى المقاومة، فكان رد المقاومة سريعاً بإطلاق أعداد كبيرة من الصواريخ بلغت أكثر من خمسين صاروخاً أطلقتها (كتائب القسام) وحدها بينها 17 صاروخاً من طراز (غراد) مما أصاب العدو بارتباك وأدخله في متاهة التشكيك بقدرته على الحسم العسكري، وأضعف مصداقية قادته المهزوزة أصلاً. 
واستمرت صواريخ فصائل المقاومة في السقوط على المستوطنات الصهيونية حتى الساعات الأخيرة التي أعلنت فيها عن وقف إطلاق النار من جانبها بعد 12 ساعة من إعلان العدو عن وقف عدوانه. و قد شكل استمرار إطلاق الصواريخ من غزة إعلاناً جلياً واضحاً وصريحاً عن صمود المقاومة، وفشل العدو في كل شيء. ولزيادة التأثير النفسي لهذه الصواريخ، ضربت المقاومة أهدافاً نوعية أضافت إلى إنجازاتها إنجازات أمنية هامة ومعنوية كبيرة، كما حدث عندما قصفت بدقة القاعدة الجوية (حتسريم) في النقب، ثم تبعتها قواعد أخرى مثل (بلمخيم) شمال أسدود و(تل نوف) و(تسيلم) و(كريات ملاخي) وهنا يتبادر إلى الذهن سؤال عن إمكانات المقاومة في مجال الاستخبارات، وسؤال آخر عن دقة الرمي لصواريخ تعتبر بدائية في الميزان العسكري الحديث. ويكفي أن نحاول سبر مشاعر ومعنويات الطيارين الصهاينة في قاعدة ما كانوا ينطلقون منها في قصف يومي لقطاع غزة، ثم يجبرون تحت ضغط صواريخ المقاومة إلى الانطلاق من قواعد جوية أخرى بعيدة وتقع في شمال فلسطين المحتلة ظناً من قادة العدو أنها ستكون بعيدة عن متناول صواريخ المقاومة!! فكيف كانت معنويات أولئك الطيارين الصهاينة؟! 
2ـ المحور الثاني: كان يركز على إضعاف الروح المعنوية لدى العدو الصهيوني وزعزعة جبهته الداخلية التي بدت أكثر تماسكاً مما بدت عليه في حرب تموز 2006 م والتأثير على معنويات الجنود، وزيادة حالة التردد والإرباك والخوف، التي يعاني منها الكيان الصهيوني من خلال التحذيرات المتكررة بأن القطاع سيكون محرقة ومقبرة للغزاة، وأن المقاومين في غاية الشوق للقاء الدبابات الصهيونية وتدميرها على مشارف القطاع. 
3ـ المحور الثالث: كان يهدف إلى زيادة الضغط على الكيان الصهيوني وإبراز الصور والمآسي والمجازر التي ترتكب في القطاع والتركيز على استهداف الفلسطينيين المحاصرين، الذين سدت في وجوههم سبل العيش الكريم والحياة الآمنة، وحتى العلاج الطبي للمرضى والجرحى، وذلك من خلال تصوير ما أمكن من عمليات القصف، والأماكن المدمرة، وخاصة المباني السكنية ودور العبادة، والمشافي وسيارات الإسعاف والإطفاء المحترقة ومخازن ومستودعات الأدوية والأغذية، وحتى المدارس، التي لجأ إليها بعض السكان بعد تدمير أحياء بكاملها في مدن قطاع غزة، وكان من المهم تفنيد ادعاءات الصهاينة بأن هذه الأماكن استخدمت لإيواء المقاومين أو تخزين السلاح أو أطلقت منها الصواريخ، لأن هذه الادعاءات ثبت بطلانها بشهادة جميع الصحفيين الأجانب، الذين رصدوا وقائع الحرب على غزة وهم بالمناسبة كانوا يقومون بعملهم فقط على الجانب الفلسطيني الواقع عليه العدوان في حين منعت سلطات العدو المحتل الصحافة الأجنبية، وحتى صحفييها الصهاينة من متابعة ورصد وقائع الحرب. كما أن المسؤولين الدوليين الموجودين في القطاع بحكم عملهم كشفوا أيضاً بطلان المزاعم الإسرائيلية، وفي هذه المرحلة عمد الصهاينة إلى إلقاء منشورات متعددة الأهداف، لم يلاحظ أي جهد فلسطيني في التصدي لها لأن تأثيرها لم يكن يساوي ثمن الورق الذي كتبت عليه بل كانت نتائجها عكسية، وقوبلت بالسخرية المرة من قبل المواطنين الفلسطينيين، فضلاً عن المقاومين، والحقيقة أن الهدف منها إسرائيلياً كان محاولة تسويغ قتل المدنيين الفلسطينيين تحت ذريعة عدم انصياعهم للتعليمات الواردة في كثير من المناشير، التي كانت تدعوهم إلى مغادرة مساكنهم ومنازلهم بغية تفريغ الأرض من سكانها، وبهدف عزل المقاومة الفلسطينية عن حاضنتها الطبيعية في كل المجتمع الفلسطيني.