غياب هيئة مختصة تحدد أخطاء الطبيب والقضاء غير مؤهل للفصل فيها محمد الناصري: 'الطبيب لا يعالج الموت ونتيجة عمله بيد الله'



أفاد محمد بناني الناصري، رئيس النقابة الوطنية لأطباء القطاع الحر، لـ"المغربية"، أن معنى الخطأ الطبي ما يزال غير مفهوم وواضح لدى عموم المغاربة، لأسباب متعددة، مردها إلى غياب نشر التوعية الصحية بين عموم المواطنين، موازاة مع ارتفاع نسبة الأمية في المغرب.
وبناء على ذلك، تحدث عن أن كثيرا من الناس يقعون في الخلط ما بين الخطأ الطبي المهني وحالات تعرض المريض للإهمال أو لمضاعفات صحية غير متوقعة، سواء أثناء العملية الجراحية أو بمناسبة الخضوع للعلاج، مبينا أن أي تدخل أو عمل طبي، كان بسيطا أو معقدا، وإلا قد تنتج عنه مضاعفات صحية، أحيانا تكون بسيطة يمكن تجاوزها، وفي أحيانا أخرى تؤدي إلى الوفاة.
 وذكر محمد الناصري أن الحديث عن موضوع الخطأ الطبي، موضوع في غاية التعقيد، استنادا إلى الصعوبات الموضوعية لفهم تعقيدات جسم الإنسان وفهم التفاعلات، التي تحدث فيه، وفهم الكثير من أسراره.
ومن الأمثلة التي قدمها على ذلك، إمكانية تعرض أي شخص لحساسية معينة، عقب خضوعه لحقنة "البنسيلين"، بشكل مفاجئ وغير متوقع، رغم أنه لم يسبق له أن تعرض لحساسية مشابهة لدى استعماله لهذا النوع من الحقنة، خلال مرات سابقة متعددة، جعلت المريض والطبيب يستبعدان أي توقع لحدوث حساسية لها.
وتحدث عن أن الطبيب هو شخص لا يحارب الموت، إلا أنه لا يمكن نفي حقيقة أنه يمكن للطبيب أن يرتكب أخطاء مهنية، مثله في ذلك مثل أي مهني آخر، لأنه في نهاية المطاف بشر غير منزه عن الخطأ، قد يقع في إهمال المريض، وحينذاك فإنه غير مسموح له بالإفلات من العقاب، شريطة إثبات واقعة عدم احترامه للأصول الطبية، أو أنه أخطأ في تقديراته.
وبناء على ذلك، استبعد محمد الناصري مسؤولية الطبيب عن تعرض المريض لمضاعفات العلاج أو الجراحة، إلا في حالات تخلفه عن الالتزام بتسخير ما لديه من معلومات معرفية وبقواعد المهنة، مع بذل خبرته ومجهوده لنجاح علاجه أو جراحته، مبينا أن الطبيب مجبر على استعمال جميع الوسائل المتاحة لديه لعلاج مريضه، إلا أنه غير مسؤول عن نتيجة ذلك.
وحاول تقديم مثال على بعض الأعمال التي يكون العاملون فيها غير مسؤولين عن نتيجة العمل، بعمل المحامي الذي يظل تدخله لإنصاف دفاعه محدودا ورهينا بحكم القاضي، الذي يعود إليه الأمر الأخير في اعتماد الحكم، الذي يظهر لهيئة المحكمة أنه هو القرار المناسب.
وقال الناصري إن " عمل الطبيب هو أعقد من عمل المحامي أو غيره، لأن نتيجته تبقى بيد الله وبيد القدر المكتوب على المريض، تبعا إلى أن علماء العالم أجمعين ما يزالون يجهلون الكثير من التفاصيل عن جسم الإنسان، بالحجم نفسه لجهلهم بأسراره وبتفاعلاته وبما يتأثر به، وعجزهم عن تفسير مجموعة من الظواهر، وهو ما تتبثه العديد من الأبحاث والكتابات الطبية".
وأبرز أنه حان الوقت في المغرب للحديث عن المشاكل الصحية ونتائج الأخطاء التي يتعرض لها المواطن، نتيجة أعمال المشعوذين وبائعي الأعشاب والذين يقتلعون الأسنان في الأسواق والمعالجين بالطرق غير العلمية، وما يتسببون فيه من نقل للأمراض المعدية والخطيرة.
وأضاف أن كثيرا من المضاعفات الصحية التي يتعرض لها بعض المرضى، هي نتيجة تأخر شريحة عريضة عن المرضى عن التوجه إلى الطبيب، إذ لا يزورونه إلا في مراحل متقدمة من مرضهم، ناهيك عن سيادة العلاج الذاتي في المغرب، وشراء الأدوية من الصيدليات دون وصفة طبية، ناهيك عن الاستمرار في السماح للمشعوذين بفتح أبوابهم للناس، في حين يتحمل الطبيب النتائج السلبية لتراكم وتضافر كل هذه الأخطاء مجتمعة.
وأكد محمد الناصري غياب الجهاز أو الجهة التي تحدد مسؤولية الطبيب الذي ارتكب الخطأ، أو التي موكول إليها البت في مثل هذه الملفات، لصون حقوق المريض والطبيب على حد سواء، داعيا إلى ضرورة توفير هيئة أطباء قوية تحمي المريض وتحمي مهنة الطب والممارسة الطبية من الشوائب ومن المشعوذين، وتضرب على أيدي كل شخص يعبث بحياة المواطن.
وشدد على ضرورة "توفير مؤسسة مختصة تتولى مهمة دراسة الملفات، التي ترفعها عائلات المرضى الذين يشكون، أو يدعون أن أهاليهم تعرضوا لخطأ طبي، تكون مكونة من أطباء من مختلف التخصصات الطبية، لتكون الدراسة والحكم أكثر موضوعية، ووفق معايير علمية، لتكون سندا لهيئة القضاء في بناء أحكامها القضائية".
ويعتبر محمد الناصري أن "القضاء المغربي غير مؤهل للفصل في الملفات، التي يتنازع فيها طرفان حول موضوع وجود خطأ طبي، لأن القاضي يعتمد على خبرة طبية شرعية، في أغلب الأحيان تكون عبارة عن وضع افتراضات أو احتمالات لسبب الوفاة، دون أن تستطيع الخبرة الطبية الشرعية تحديد السبب الحقيقي للوفاة.
وأبرز صعوبة تحديد الخطأ الطبي مثلا أثناء العملية الجراحية، إذ يتعذر اسنادها إلى الجراح من الطبيب المخدر.
وخلال الحديث عن أن أصبع الاتهام يوجه في كثير من الأحيان إلى أطباء القطاع الخاص، نفى صحة ذلك، استنادا إلى وجود معطيات تدل على أن أكثر حالات وقوع الأخطاء الطبية تقع في القطاع العام وليس الخاص، دون أن يتحدث عن أسباب ذلك، عدا إشارته إلى افتقار المؤسسات الصحية العمومية إلى كثير من الأجهزة الطبية ومن الوسائل الضرورية، المساعدة على أداء الطبيب مهمته على أكمل وجه.