ما هو الموت الدماغي؟.. الجثة ذات القلب النابض دون الزوال التام الدائم والأكيد لكل علامات الحياة من جميع أجزاء الجسم



تعريف الموت الدماغي:

كان مِن مقتضَى القول بالموت الدماغي وجود ما يُسَمى بـ (الجثة ذات القلب النابض)، ولرفع ذلك التناقض القاطع الظاهر عمدوا إلى القول بعدم الاعتداد بحياة تلك الأعضاء، أو القول بإنكار دلالة حياتها على حياة صاحبها!
وما ادّعوه من عدم الاعتداد بِعمل و حياة تلك الأعضاء في الدلالة على الحياة، هو مِن باب تنزيل الموجود مَنزِلة المعدوم، وهذا لا يَصْدُق إلاّ على الشيء اليسير الصغير غَير المُؤثِّر - كعدّةِ خلايا مثلاً - و لكنه لا يَصْدُق بِحالٍ على الأعضاء و أجهزة الجسم الرئيسية.

موت الجسم وحياة الأعضاء:

وحديثنا هنا - فيما يُسَمّونه بالموت الدماغي - عن حياة وعمل عدة أعضاءٍ و أجهزة في الجسم، وليس عن حياة عدة خلايا وأنسجة في الجسم أو خارِجِه؛ مِثال القرنيات و شرائح الجلد والحيوانات المنوية، المحفوظة في المَعامل والمُختبرات؛ مِمّا يُلَبِسّون به على الناس.
وكذلك لا معنَى لإنكار دلالة حياة و عمل القلب - وتلك الأجهزة الرئيسية - على استمرار حياة صاحب الجسَد الموجودة فيه تلك الأعضاء الحيّة العاملة ؛ لأنّا نعلمُ يقيناً أنه مُحالٌ وجود ها بهذه الحال في أجساد الأموات، والمُمارِي عليه الدليل.
و يؤكد هذا البيان الذي أصدره د. ممدوح سلامة، أستاذ المخ والأعصاب، والرئيس الأسبق للجمعية المصرية لجرّاحي المخ والأعصاب -في 30 / 3 / 2009-  وكان يحمل العنوان المُعَبّر: (بهدوء و وضوح... لا موت والقلب ينبض).

مَوضِع الالتباس والإلباس و فساد الاستدلال:

وقد وقع التباسٌ شديدٌ عند بعض دُعاة الأخذ بمفهوم الموت الدماغي؛ إذ غَلطوا و خَلطوا بين دلالة حياة العضو المنفصل عن الجسم وبين دلالة حياة مِثله الموجود بالجسم؛ مما أَوقَعهم في فساد الاستدلال.
مثال ذلك بحث "موت جذع المخ، مراجعة و مناقشة" - المُقَدّم إلى ندوة "التعريف الطبي للموت" بالمنظمة الإسلامية للعلوم الطبية - حيث يقول مقدِّمه: (إن تعريف الموت بأنه «الزوال التام الدائم والأكيد لكل علامات الحياة من جميع أجزاء الجسم» لم يعد يستقيم مع الحقائق الثابتة حاليا.

الموت الدماغي والتبرع بالأعضاء:

فلو تبرع إنسان سليم بإحدى كليتيه، وزرعت في مريض بالفشل الكلوي، ثم حان أجل السليم ودفن في قبره، واستمرت كليته تؤدي وظيفتها في جسم المريض، هل نمسك عن اعتبار المتبرع ميتاً لأن أحد أعضائه حي؟
ويقال مثل ذلك عن الخلايا التي تؤخذ من إنسان، ونستزرعها في أطباق في المختبر، يموت صاحبها، وتستمر هي في الحياة منتجة جيلا بعد جيل، ويمكن الاستطراد في الأمثلة المشابهة).
وهو احتجاج في غير مَحِلّه أَوْصل إلى استنتاج غير صحيح.

تحقق الموت مع تحقق حياة الجسم:

إن مفهوم الموت الدماغي يقوم على اجتماع أَمريْن مُتناقضيْن: هما القول بتحقق الموت، مع تحقق حياة الجسم - بحياة أغلب أعضائه و أجهزته الرئيسية؛ بدلالة عدم تلفها وقيامها بوظائفها - وفي سبيل رفع ذلك التناقض وإثبات صحة دعواهم  تلك، قالوا بعدم دلالة حياة الأعضاء على حياة صاحبها، مع إغفال دلالة قيام أجهزة الجسم بوظائفها.

التلازم بين حياة وعمل الأعضاء وبين حياة صاحبها:

وهو مع هذا الإغفال استدلالٌ في غَير مَوضِعه، و سيأتي بيانه بعد.
  • ويحتَجُّون لذلك بعدم التلازم بين حياة وعمل الأعضاء - كالقلب والكبد، مثلاً - وبين حياة صاحبها؛ بدليل حياتها وعملها في جسد المتلقي ٍالمزروعة فيه تلك الأعضاء، مع موت صاحبها الأصلي ٍالمنزوعة منه، فيما يُسمى بنقل وزراعة الأعضاء من الأموات.
  • ويحتَجّون لذلك أيضاً بعدم التلازم بين موت أو تلف تلك الأعضاء وبين مَوت صاحبها؛ بدليل حياة صاحب العضو التالف، إذا استُبدِلَ به عضوٌ سليم مأخوذٌ من إنسان آخر أو مَثيلُه الاصطناعي، في الوقت المناسب و بِقَدَر الله. وكُلّ ذلك واقعٌ ومُشاهَدٌ و لا خِِلاف فيه.

ويَخْلصون من ذلك إلى القول بعدم دلالة حياة وعمل الأعضاء على حياة صاحبها، وهو ما لا نُنازِع فيه بخصوص صاحبها المنفصلة عنه، ولكنّا نُنازِع بل نعارِض في دلالته على صحة ما يُسَمّونه بالموت الدماغي؛ إذ لا حُجّة لهم فيه بخصوص صاحب الجسد الموجودة فيه تلك الأعضاء.