الوطن العربي وثقافة الصراخ وازدهار قطاع السب والشتم والبكاء على ضياع التراث



أنظروا الى الوطن العربي من المحيط الى الخليج لا توجد فيه قصة نجاح واحدة، جميع القطاعات فاشلة سياسيا واقتصادياً واجتماعياً وثقافياً وتعليمياً وزراعياً وسياحياً وكذلك رياضياً حتى ليخيل اليك ان التراجع والتقهقر والهزيمة غدت ثقافة عربية بامتياز، فالقطاع الوحيد النشيط والحيوي هو قطاع السب والشتم والبكاء على ضياع التراث.
أمام هذا المشهد المأساوي للوطن العربي تنبه بعض المفكرين العرب العظام الى هذا الوضع وطالبوا بتغييره، فعلى سبيل المثال لا الحصر طالب عميد الادب العربي طه حسين (ضرير وحصل على رسالتي دكتوراه الاولى من مصر عن فيلسوف الشعراء ابو العلاء المعري والثانية من فرنسا عن مؤسس علم الاجتماع ابن خلدون) طالب من خلال كتابه 'مستقبل الثقافة في مصر' بنقل علوم الغرب الى الوطن العربي، وقال: 'الطريق الى تطور الوطن العربي يمر عبر باريس ولندن وطوكيو'.
وهذا ما ينطبق ايضا على الكاتب المصري الكبير زكي نجيب محمود فقد طالب الوطن العربي بالانتقال الى الحداثة من خلال كتابه الشهير 'مجتمع جديد او الكارثة' فاخترنا الكارثة طواعية، نحن أمة تعشق الكوارث الى حد النخاع.
أذن بدل البحث عن خارطة طريق للقيام بمشروع تنويري تنقل الوطن العربي من حالة التخلف الكاسحة التي تجتاحه انقسمنا على انفسنا الى قسمين: قسم (وهم الاسلاميون) قسم العالم الى قسمين : اسلامي فاضل وجاهلي فاسد والقسم الآخر اتخذ من الصراخ والعويل والشتم ضد النظام الرسمي والغرب منهجا له للتعبير عن حالة الغضب التي تجتاحه.
قبل ان اكمل، دعوني اؤكد على الفكرة التالية: انا لا انكر ان الغرب اجرم في حقنا وانه يتحمل مسؤولية كبيرة، بل وساعد في تخلفنا وخلف كياناً سرطانيا في بلادنا، هذا الكيان اعاق مشروع التنوير ولا يزال، ولكن ليس كل تخلفنا وتقهقرنا ناتج من الغرب، هذا غير صحيح، جزء من تخلفنا من نتاج الغرب والجزء الاخر منا، فينا وبسببنا.
نعود الى موضوعنا:
صحيح ان الالم كبير ولكن ما يميز المثقف دائما انه يتميز عن غيره بمنهجية علمية، حالة الصراخ هي حالة السائد الصاخب في الوطن العربي وكأننا في فزعة او 'هوشة او طوشة' بين قبيلتين، فالعويل والشتم والسباب والبكاء على الاطلال لا يفيد.
وهناك نقطة آخرى بالاضافة الى الصراخ أود التركيز عليها وهي:
الناس في الوطن العربي كالغرقى الذين يبحثون عن بطل لينقذهم، فمرة تراهم ينتقلون بين مكان وآخر ومرة آخرى بين ايديولوجية واخرى للبحث عن ضالتهم، انهم كالتائه وسط غابة مترامية الاطراف، من كل الاتجاهات اشجار.
فمنذ عام 1952 والعالم العربي يبحث عن بطل، وما ان يظهر شخص
ما ويتحدث بعض الكلمات عن فلسطين ويشتم اسرائيل، حتى نرى العالم العربي يقول كما قال العالم البريطاني نيوتن: وجدتها، وجدتها، ولكننا نعود بعد ذلك خائبين تائهين لا حول لنا ولا قوة.
الوطن العربي يتمدد كميا وليس نوعيا، فالتكاثر الارنبي ينتشر في الوطن العربي مثل انتشار النار في الهشيم ويوميا تتزايد الطبقات الفقيرة والمهشمة التي تنام في المقابر وعلى السطوح، فالاطفال عندنا ُيولدون في بيئة غير صحية على الاطلاق.
الوطن العربي مثله مثل الذي دخل الى غرفة الايديولوجيا الاسطورية واغلق الباب على نفسه بالمفتاح، لا عمل لديه سوى الشتم والصراخ على امريكا واخواتها، انه ينقب عن مثالبها كذريعة للهروب من الدخول الى التاريخ، أنه يعيش حاليا في عالم مغلق لا معنى للزمان فيه.
المثقفون والمفكرون العرب لا يفكرون على سبيل المثال بعقد اجتماع فيما بينهم لوضع خطة اصلاح او خارطة طريق لمشروع تنويري يساعد على نهوضنا، والعلو من شأننا بين الامم، فالشتم على الغرب ليس حلا، والسب على امريكا لن يفيد، الحل / او خارطة الطريق / او الطريق يمر عبر التعليم، وهذا يتطلب:
اولا- علينا ان نقوي انفسنا من الداخل وان نشمر عن سواعدنا وان نضع خطة نهضوية مستنيرة تتم مراجعتها سنويا، خطة شاملة تقود الى تحرير التعليم من الايديولوجيا وتعمق التربية الجذرية داخل المجتمع وتكافح التكاثر الارنبي وتحارب البطالة والامية وتبني مؤسسات الدولة الحقيقية وتعمق حق المواطنة ودولة القانون والدستور وتنشر ثقافة الديمقراطية وتقوم ببناء المصانع وتنشر التكنولوجيا الزراعية وتحارب الفساد والمحسوبية والرشوة.
ثانيا- علينا ان نقوي قطاع التعليم ونصلحه اداة ومضمون،
فالتعليم الحقيقي هو التعليم المحرر من الايديولوجيا، هو الذي يحفز على الابداع والتفكير، صدقوني انه لا يوجد في بلادنا مدارس، فالمعلمون في بلادنا يحتاجون الى تأطير، والمناهج ايضا تحتاج الى تطوير.
كيف لنا ان نتفوق ولا يوجد جامعة عربية واحدة من بين اول 500 جامعة متفوقة في العالم ؟ كيف لنا ان نتطور وبيننا 70 مليون امي منهم 17 مليون امي من مصر و100 الف مصري لا يستطيعون الزواج ثانية بسبب القيود الكنسية وهناك 11 مليون عانسة في مصر؟ ونسبة البطالة في بعض الاقطار العربية تتعدى نسبة 45 '.
التعليم المؤطر هو مفتاح تطور الشعوب، نحتاج التعليم الذي لا يدرس الدين والتاريخ والفلسفة وانما يدرس تاريخ اديان مقارنة وفلسفة التاريخ والعلوم الفلسفية والمنطق والاخلاق، هذه المساقات وغيرها في المدرسة مثل المسرح والموسيقى والفن واللغات والمختبرات العلمية الحديثة تساعد على التفكير بل هي اصل التفكير، فالكاتب المغربي الكبير عبد الله العروي قال 'الامية لا ترتفع باتقان القراءة والكتابة'.
احيانا اسأل نفسي هل التخلف في العالم العربي اضحى ثقافة ؟ وهل ينطبق علينا قول المؤرخ العربي الكبير ابن خلدون الذي هاجم العرب كعرق وليس كناقد للنتاج المعرفي العربي.
فقال: (اذا تغلبوا على اوطان العرب اسرع اليها الخراب يهدمون الصروح والمباني ليأخذوا حجارتها اثافي القدور ويخربون السقوف ليعمروا بها خيامهم، انهم ابعد الناس عن العلوم والصناعات)
وقال في موضع آخر: (العرب إذا تغلّبوا على أوطان أسرع إليها الخراب، لأنهم أمة وحشية استحكمت فيهم عوائد التوحش وأسبابه، فصار لهم خلقا وجبلة، همهم نهب ما عند الناس، ورزقهم في ظلال رماحهم، وعندما تغلبوا وملكوا تقوّض عمرانهم الذي بنوه، وأقفر ساكنه، وعندما اجتاح عرب بنو هلال وبنو سليم بلاد المغرب خرّبوها، وكان ذلك في القرن الخامس الهجري).
وقال في موضع ثالث: (إن العرب لا يحصل لهم الملك إلا بصبغة دينية من نبوة، أو ولاية، أو أثر عظيم من الدين على الجملة، بسبب خلق التوحش الذي فيهم ،و هم أصعب الأمم انقيادا بعضهم لبعض، للغلظة والأنفة وبعد الهمة، والمنافسة في الرياسة، فقلما تجتمع أهواؤهم).
فهل نستطيع ان نثبت لمؤسس علم الاجتماع ابن خلدون فعلاً وليس قولاً، ان ما كتبه في مقدمته الشهيرة عن العرب ليس صحيحاً على الاطلاق؟ 
بسام عويضة 
فلسطيني مقيم في برلين