السودان والغرب: التصنيف مع الحكومات المنبوذة رغم تنفيذ تعليمات الغرب بالانخراط في اللعبة الديمقراطية



كما هو السائد في التعامل مع كل شأن سوداني فان هذه الانتخابات التي كان القصد منها أن تكون نتيجة طبيعية مرحب بها لعملية المصالحة كما رسمتها اتفاقية السلام الشامل الموقعة عام 2005 قد نالت نصيبها العادل من منتقديها الى جانب عدد اكثر تواضعا من مؤيديها.
الان وقد تم الاعلان عن نتائج الانتخابات التي لم تتمخض عن أية مفاجأة كبرى، تتجه الانظار نحو: 'وماذا بعد؟' ولعل أهم المترقبين لما سيتبع هذه النتائج هو الرئيس السوداني العائد عمر حسن البشير اذ يأمل أن يحتل وحكومته موقعا أفضل على سلم التصنيف الغربي للحكومات 'المنبوذة' بعد أن امتثل ونفذ التعليمات التي أصدرها الغرب بالانخراط في اللعبة الديمقراطية.
ورغم كثرة اتهامات التزوير والاحتيال التي تطعن بنزاهة الانتخابات وشرعيتها فان الحكومة السودانية تبذل أقصى الجهود محاولة اقناع المجتمع الدولي بأن امتثالها لـ 'العصي' الدستورية والدبلوماسية التي لوح بها الغرب وأدت الى اجراء الانتخابات الاولى منذ ربع قرن لا بد أن تكافأ بـ 'الجزر'.
وبشكل أكثر تحديدا يعوّل على أن تشتمل هذه المكافآت على تأمين وقاية ما للرئيس السوداني من الاتهامات باقترافه جرائم الحرب التي سيواجهها أمام محكمة الجزاء الدولية وفي أكثر الظروف مثالية على أن تشمل أيضا تخفيف العقوبات المفروضة على السودان. كانت هذه الانتخابات جزءاً من اتفاقية السلام الشامل التي دعمتها الولايات المتحدة الأمريكية والتي انهت عقدين من الحروب الاهلية. وفي حين لم تتحقق المصالحة الوطنية بالسرعة التي تصورتها الاتفاقية المطروحة الا أنها حالت مبدئيا، على الاقل، دون العودة الى سفك الدماء. المهم أيضا أنها مهدت الطريق أمام الجنوب للتصويت على قضية الانفصال، فقلة فقط تعتقد أن التصويت سيكون في صالح بقاء الجنوب جزءا من هذا السودان الذي حاربوا من أجله لهذه الفترة الطويلة.
اذن وفي نهاية المطاف يبرز السؤال: 'ماذا كانت هذه الانتخابات تعبيرا عن؟' ان كمية الاتهامات بالتزوير التي تطعن بالعملية الانتخابية تستدعي الوقوف عندها وتمحيصها من قبل من يحمل لواء الشرعية من الغربيين . فهناك عقبات يتوجب ازالتها لاسيما أن آمال الرئيس السوداني باقامة علاقات ودية مع الغرب تعّقدها هشاشة قشور البيض التي تفرض على الدبلوماسيين والقادة في الغرب وطئها بحذر في تعاملهم مع هذا البلد.
وبالرغم من أن دلائل الانفتاح التي بدت على الساحة السياسية خلال السنوات القليلة الماضية قد قابلها الغرب - وعلى الاخص الولايات المتحدة - بإشارات توافقية، فلا زال قسم كبير من المجتمع يؤمن أنه لا بد للرئيس البشير من أن يواجه يومه أمام المحكمة الدولية.
صفة الشرعية أو عدمها التي سيسم بها المجتمع الدولي الفائزين في الانتخابات سيكون لها اذن تأثير بعيد المدى وستقطع شوطاً طويلاً في اعادة تأهيل السودان واضفاء الشرعية عليه في المنظومة الدولية، الا أنها ليست أمراً مسلماً به في أي حال من الأحوال. فقد تكون الولايات المتحدة دولة لم توقع على اتفاقية روما التي انشئت بموجبها محكمة الجزاء الدولية الا أن مئة واحدى عشر دولة أخرى قد وقعت عليها.
لقد أمضى عدد من بعثات مراقبة الانتخابات شهورا في السودان طوال فترة العملية الانتخابية وكان قسم كبير منها من 'مركز كارتر' والاتحاد الأوروبي . وتشكل تصريحات هؤلاء المراقبين بشأن سلامة الاجراءات الانتخابية مصدراً حاسما بالغ الاهمية وأساسا للاحكام الصادرة بشأنها.
ويعتمد الكثير على دقة هذه المصطلحات. فهناك مصطلحات يسود استعمالها عادة مثل 'القصور عن الوفاء بالمعايير الدولية' - وهو المصطلح الذي استعمله مركز كارتر- و'نواقص هامة قياسا بالمعايير الدولية' ـ وهو المصطلح الذي استعمله الاتحادالاوروبي. وبينما تترجم وسائل الاعلام هذه المصطلحات عامة 'بغير الحرة و غير النزيهة'، وهي ما جاء على لسان المتحدث باسم البيت الأبيض ' بي جي كرولي ' مؤخراً، تبقى قراءة الحروف الصغيرة المتوارية خلف حدة اللهجة المستعملة غاية في الأهمية.
لقد بين كل من مركز كارتر والاتحاد الأوروبي أن هناك الكثير مما تجدر الاشادة به في هذه الانتخابات كبداية تتيح انفتاحا أكبر للساحة الديمقراطية في السودان وكذلك في حجم مشاركة الهيئات المدنية والسياسية في المجتمع السوداني، إذا ما استمر تطويرها. اضافة الى ذلك وبالرغم من قصور تفسير ما يقصد بالمعايير الدولية يبقى الارتقاء اليها هدفا منشودا.
في نهاية المطاف فإن قرار ما إذا كان السودان سيحظى بأي قسط من التقارب معه كمكافأة لخوضه التجربة الديمقراطية سيتخذ في عواصم مثل واشنطن حيث ستواجه هذه الخطوة معارضة لا يستهان بها.
طبعا هناك مصالح متبادلة. فخلال السنوات الاخيرة أثبت السودان على أنه حليف مفيد للولايات المتحدة من حيث تبادل المعلومات الاستخباراتية ومن حيث الفرص الاستثمارية المتاحة لها، هذه امور ايجابية من شأنها أيضا أن تحبط الاشواط الكبيرة التي قطعتها الصين ودول أخرى في المجالات الاقتصادية السودانية والتي سلبت أسواق السودان النامية من الغرب.
ويبقى للولايات المتحدة أن تقرر فيما اذا كانت الاحوال مناسبة لزيادة درجة التعامل مع السودان وفيما اذا سيكون مثل هذا التقارب مقبولا سياسيا من قبل الناخبين الامريكيين.
غاي غابرييل
' مستشار الراصد الاعلامي العربي (Arab Media Watch)