اللئيم عندما يكون عميلا يتمرد على أهله ويخضع لذوي نعمته



اللؤم والغدر طبع، وعمل لا أخلاقي محض، أياً كان صاحبه، فهولا يعرف كبيراً أو صغيراً، حتى لو كان رئيس وزراء معيـّن يحظى برضا ورعاية الحراب الأمريكية. ويقولون، والله أعلم، أن اللئيم لا يتخلى عن طبعه، مهما تجمل، وتملق، وتزوق، وتنمق ولبس "بدلات السموكن والكرافيتات". وأيا تكن حجج اللئيم وأعذاره، فلا تبرير مطلقاً للغدر واللؤم، ولن يكتسب أية أخلاقية على الإطلاق. ومن غدر برفاقه، الذين أوصلوه لرئاسة وزراء محتل، وطعن بأبناء بلده وجلدته في ائتلافه الحاكم، وتنكر لهم، وقلب لهم ظهر المجن، فشكلوا لذلك تحالفاً جديداً، رفضوا مطلقاً ضم "الغدار" إليه، فليس عصياً عليه الغدر والطعن بمن أكرم وفادته ذات يوم "أغبر"، وآمنه من خوف، وأطعمه من جوع، في زمن التشرد والضياع و"الصياعة" السياسية، والتوسل ولعق الأقدام.
وقديماً، قالت العرب: إن أنت أكرمت الكريم ملكته، وإن أنت أكرمت اللئيم تمردا.
وحين فر أحد لئيمي الشرق الأوسط الجديد، وكرازاياته لاحقاً، لم يجد أمامه سوى هذه البوابة الكبيرة، والجدار الأخوي الحنين ليلوذ به، من بطش أخوة له، بتنا نتفهم، وقد نعذر، أحياناً، بطشهم، وتنكيلهم، ببعض لؤماء، لا ينفع معهم على ما يبدو أي كرم، ولا يستحقون أي نوع من الحفاوة والاحترام، وقد يكون مجرد رفع الهراوة من فوق رؤوسهم هو نوع من الغلط، والخطأ الفظيع، بقدر ما هو نوع من "التنكر والغدر"، المتعمد، أيضاً، لتقاليد وآليات التعامل مع العبيد، الذين قال فيهم المتنبي قولته الخالدة، لا تشتري العبد إلا والعصا معه، إن العبيد لأنجاس مناكيد.
وحين تبحث أمريكا عن عملاء وأجراء لها، فهي بالتأكيد لن تبحث عن كبار قوم، و عظمائه، وكرمائه، بل عمن يقبل أن يلعب دور الأجير من صغار القوم، و"لؤمائهم"، وغدّاريهم، المستعدين لفعل أي شيء، في سبيل أي شيء، ولا يهم فالوجه قد أصابه جفاف مقيم، ولم يتبق فيه أي ماء يسيل.
ومن قصص الأعراب، المروية، أن رجلاً تائهاً في قلب الصحراء، كان على وشك الموت والهلاك، حين لمح فارساً قادماً على صهوة جواد، فاستنجد به طالباً العون والإغاثة والغذاء والماء، فما كان من الفارس المقدام، صاحب النخوة، والهمة، إلا أن لبى النداء، وأنقذ الرجل من موت محقق، بعد أن قدم له ما في حوزته من ماء وطعام، وبعد أن تجالسا لهنيهة، قال الرجل التائه مخاطباً الفارس، إن جوادك جميل، وأصيل، وحبذا لو امتطيتنيه قليلاً، فقدمه الفارس للرجل، الذي ولى هارباً على الفور، فناداه الفارس متوسلاً، إياه التوقف ليخبره بشيء هام، فتوقف "اللئيم الغدار" واستمع للفارس الذي خاطبه، عن بعد بالقول، أرجوك، يا أخا العرب، ألا تخبر أحداً، بما صنعت يداك، كي لا تموت، ولا تنتهي النخوة، والأصالة، وعمل الخير، وإغاثة الملهوف بين الناس.
لا ذنب لكريم، ولا عيب لمغيث، فيمن لا يراعي كرم الضيافة، والعيب العار بكل لئين ناكر جاحد وغدّار، ولكن كل ما نتمناه، والشيء بالشيء يذكر، ألا تموت النخوة، وحب الخير، وممارسته فعلاً بين الأخوة والجيران، وألا يصبح جميع الناس مثل هذا الكرازاي "الأكـّال النكـّار"، الذي لم يراع حرمة لجيرة، ولا كرماً لضيافة، ولا استجارة كان بأمس الحاجة لها، مع عائلته وصغاره، في يوم من الأيام. وألا يصبح غدره وقلة وفاءه, أنموذجاً، ومثلاً للتعامل بين الناس، تقضي على ما تبقى فيه من نخوة ومحبة وإقدام، وتخرب البلاد بأكثر مما خربها الكرازايات. وألا يؤثر سوء صنيعه، بأي لاجئ، وملهوف، ومستغيث آخر في أي مكان من العالم. فنحن نعلم بأن الكرم أيضاً طبع، ومحال أن يتغير عند الفوارس والرجال، و" إن خلت خربت"، كما يقال، غير أن الغدر، باق، أيضاً، في صغار الرجال الذين لا يمكن أن يؤمن جانبهم على الإطلاق.
وفي الأمثال المعروفة أيضاً، أن كل امرؤ يعمل بأصله، فمن يغدر إنما يعمل بأصله، ويظهر من خلاله أصله الوضيع، ومن يكرم إنما، يعمل، أيضاً، بأصله، ويعبر عن منبته الرفيع.
وآخر دعوانا أن الحمد لله الذي أحيانا وأبقانا، حتى نرى "أصول وفصول" و "عمايل" كرازيات الأمريكان.
نضال نعيسة